السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
أود أن أشكركم على كل المجهودات، جعله الله في ميزان حسناتكم.
أنا من المغرب، عمري 33 سنة، مشكلتي سأحكيها بالتفصيل، منذ الطفولة كنت لا أستطيع الوقوف في القسم وتقديم العرض، كنت أحس بارتعاش واصفرار وخوف شديد، تعايشت مع الرهاب حتى الكبر، ومع ضغوطات الحياة العامة والعمل، تفاقم الأمر، وأصبح الخوف ليس مقتصرا على الرهاب الاجتماعي، بل تطور إلى خوف عام من الأمراض والمستقبل، ولدي أفكار سلبية، مع حزن متوسط، وعدم الاستمتاع بالحياة، إضافة إلى أعراض جسدية، مثل: التنميل، ألم العضلات، خفقان القلب، صعوبة الاسترخاء، التوتر، وأحيانا أجد صعوبة في أخذ نفس عميق، وارتفاع ضغط الدم، مع العلم أنه لدي زيادة في الوزن.
قمت بزيارة طبيب عام، وعملت فحوصات، و-الحمد لله- كانت سليمة، ووجهني الطبيب إلى طبيب نفسي، حيث شخص حالتي باضطراب القلق العام، والرهاب الاجتماعي، مع الخوف من الأمراض.
بدأت بعلاج السيرترالين 100 Mg لمدة 3 أشهر، لم يعطني النتيجة الجيدة، فغيره الطبيب إلى الباروكسيتين 40 mg، و-الحمد لله- تحسنت، لكن سبب لي الضعف الجنسي، وزيادة في الوزن، لم أتقبل هذه الأعراض، فقام بتغييره إلى الإيفكسور 150 mg، تحسنت قليلا، لكن سبب لي ارتفاعا بسيطا في الضغط، وعصبية، وصعوبة في النوم، وتم تغييره مرة أخرى.
حاليا أتناول السيبرالكس 20، مع دواء السيروكويل 25، وتحسنت من جانب العصبية والأرق، لكن أعراض الأفكار والقلق والخوف ما زالت مستمرة، نصحني بالعلاج المعرفي السلوكي، لكن إمكانياتي لا تسمح بذلك، فما هو الدواء المناسب لحالتي؟
جزاكم الله خيرا، وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبوبكر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرحب بك في موقع استشارات إسلام ويب.
من الواضح جدا أنه لديك شيء من قلق المخاوف الوسواسي، وبداياتك كانت منذ الطفولة، ويعرف أن الذين يصابون بالمخاوف أثناء الطفولة 60% منهم ربما تصبح لديهم مخاوف مستقبلية، لكن هذا الكلام يجب أن لا يكون مخيفا، لأن الإنسان حين يدرك أهمية الحاضر، لن يعيش الضعف الماضي أبدا، فأرجو أن تبني فكرا جديدا، أنك الآن مدرك ومستبصر، وتستطيع أن تدير حياتك بصورة أفضل. هذا مهم جدا.
بالنسبة للعلاجات الدوائية، أنا أرى الـ (سيبرالكس) عشرين مليجراما دواء ممتاز جدا، لكن ربما يكون استبدال الـ (سيروكويل) بالـ (رزبريادون) أفضل؛ لأن السيروكويل حتى وإن حسن النوم، لكنه ليس دواء جيدا من الناحية التدعيمية لعلاج الوساوس القهرية مع السيبرالكس، فإن رأيت ذلك مناسبا، استبدل السيروكويل بالرزبريادون، واحد مليجرام ليلا، وهذا -إن شاء الله تعالى- يساعدك كثيرا.
العلاج السلوكي: أهم علاج بالنسبة لك هو التفكير الإيجابي، هذا مهم جدا، والشعور الإيجابي، وحسن إدارة الوقت، والحرص على الواجبات الاجتماعية، هذه حقيقة علاجات سلوكية ولا شك في ذلك، ومن ينفذها لا يعطي مجالا للفراغ الذهني أو الزمني، الذي من خلاله يتصيد الوسواس الناس، وكذلك المخاوف.
حسن إدارة أوقاتنا وتحديد أهدافنا، وأن نضع آليات تساعدنا على الوصول لأهدافنا أحد العلاجات المعرفية الضرورية جدا، بعد ذلك تأتي العلاجات التخصصية المعرفية لعلاج الفكر الوسواس، الفكر الوسواسي يجب ألا نحلله أبدا؛ لأنه حواري وتحليله يؤدي إلى المزيد من استحواذ وإلحاح الوسواس.
فإذا أغلق الطريق أمامه من خلال تحقيره، وهنالك علاجات تخصصية أخرى، منها ما نسميه بـ (إيقاف الأفكار)، تحدد الفكرة وتخاطبها مباشرة (قفي، قفي، قفي، أنت فكرة وسواسية حقيرة، لن أهتم بك أبدا)، تكرر هذا لمدة دقيقتين، طبعا هذا يتطلب أن تجلس في محيط علاجي، داخل الغرفة، ويكون المكان هادئا، وإذا كانت الأفكار الوسواسية متعددة اكتبها في ورقة، ابدأ بأضعفها وانته بأشدها.
إذا التمرين الأول نسميه (إيقاف الأفكار)، وهذا يطبق على الفكرة الوسواسية، وإذا كان لديك أكثر من فكرة –كما ذكرت لك– طبقه على الأضعف ثم التي تليها ثم التي تليها، حتى تصل إلى النهايات.
التمرين الثاني نسميه (صرف الانتباه): الوسواس يؤثر على الناس لأنه يشغل الطبقة العليا في أفكارهم، ونحن نقول للناس: يجب أن تتموا إزاحة الوسواس إلى الطبقات السفلى، وذلك من خلال أن نأتي بفكرة أفضل من الفكرة الوسواسية، أجمل من الوسواس، أنفع من الوسواس، مثلا: تأمل في شيء جميل، قل لنفسك: سوف أحفظ ثلاثة أجزاء من القرآن الكريم، وهذه سوف تكون همتي خلال ثلاثة أشهر الآتية، وتضع الخطة التي توصلك إلى هذه الغاية العظيمة.
صرف انتباه آخر –أخي الكريم– وفكرة أخرى، تأمل في التنفس لديك، كيفية دخول الهواء وما يحمله من أكسجين، وكيف أن الرئتين تصرفان هذا الهواء والأكسجين إلى الدم، وكيف نستفيد منه كطاقات، وبعد ذلك قم بعد النفس لمدة دقيقة مثلا، هذه أمثلة واضحة جدا لصرف الانتباه عن الوسواس، ومن يطبقها بدقة سوف يجد أن الوسواس قد انصرف تماما.
أما التمرين الثالث فنسميه (التنفير)، التنفير يقوم على المبدأ السلوكي الذي وجد علماء السلوك أن الأشياء المتنافرة، الأشياء التي تكون معاكسة لبعضها البعض، أو ضد بعضها البعض، لا يمكن أن تلتقي في حيز فكري وجداني عاطفي إنساني واحد، فمثلا: حين تفكر لفترة زمنة قصيرة جدا في الفكرة الوسواسية التي تعاني منها، وتقوم في نفس الوقت بالضرب على يدك بقوة وشدة على سطح طاولة مثلا، هذه الضربة يجب أن تسبب لك ألما، الربط ما بين الألم والفكرة الوسواسية سوف يضعفها؛ لأن الألم مضاد للوسواس، لأن النفس لا تحب الألم، تكرر هذا التمرين عشرين مرة متتالية، في كل جلسة علاجية، ولو قمت بجلستين في اليوم بعد عشرة أيام إلى أسبوعين، سوف تختفي الوساوس تماما.
فإذا الآن أرشدناك – يا أخي – للعلاج النفسي السلوكي العام، وأرشدناك إلى العلاج النفسي المعرفي التخصصي، والدواء -إن شاء الله تعالى- يفيدك كثيرا، وهذا ما أنصحك به.
وأشكرك على الثقة في إسلام ويب.