السؤال
السلام عليكم وبعد..
بورك فيكم على مجهوداتكم، جعلها الله في موازين حسناتكم.
أنا طالبة طب، كان حلما -وبحمد الله- تحقق بعد صعوبات وتضحيات وتغيير تخصصات، فلم أحصل عليه من المرة الأولى التي اجتزت فيه ما يسمى بالثانوية العامة، على كل حال بعد دخولي لهذه الكلية لم أصبح تلك الفتاة المجتهدة التي تحب العلم، وتطمح لتكون من خيرة أطباء المجتمع، كنت أدرس، لكن بعقل غير مستوعب لما يدرس، أدرس فقط لأنه يجب علي ذلك، ورغم أني كنت أمضي الساعات الطوال في الدراسة، إلا أن علاماتي جدا سيئة، حتى قدر الله أني أعدت السنة والحمد لله فيما كان وفيما سيكون.
المشكلة هي أنني لم أعد أحب الدراسة كسابق أمري في الثانوية، لا يوجد شغف ولا حافز لإكمال المسير، مع أني أحب التخصص، وأحلم بأن أكون طبيبة، تعرفون ذلك الذي أحلامه تعانق السحاب، وهو في أدنى الوادي، تلك أنا، أريد النجاح هكذا بدون مجهود عال.
كما سبق واستشرتكم سابقا بخصوص أحلام اليقظة ، وقت دراستي كله أفكر وأفكر، أو ألهو بهاتفي، حاولت مرارا إبعاده عني، ولو كنت بعيدة عن مواقع التواصل الاجتماعي، لكني أنشغل بأشياء أخرى، المهم أني أهرب من الدراسة، وكذا المعلومات لا تثبت في عقلي، أحس بأني بليدة في غالب الأحيان، وأني لا أستحق هذه الكلية.
والله تعبت كثيرا من حالي، كلما أقول: سأتغير للأفضل، أجد نفسي أغرق أكثر، مؤمنة جدا بأن النعيم لا يدرك بالنعيم، لكن هيهات.
فهلا أرشدتموني، بارك الله فيكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Ikhlas حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكركم لتواصلكم معنا وثقتكم بموقعنا.
فهمنا من رسالتك أختي الكريمة أنك تفتقدين الشغف الدراسي، وهذه المشكلة يمكن أن ننظر إليها كالتالي: إما أن يكون فقدان الشغف بسبب إنك لا تحبين التخصص، وكنت تدرسين فقط لمجرد الدراسة كما عبرت في ثنايا رسالتك، فهنا سيكون الأمر متعلقا بالتفكير في تغيير التخصص، من التخصص الطبي إلى تخصص آخر يكون لك فيه شغف.
الأمر الثاني: إذا كان فقدان الشغف ليس بسبب أنك لا تحبين التخصص، وأنك فعلا تحبينه كما لاحظنا أيضا في ثنايا كلامك هنا، فيمكن أن نقول لك: اثبتي على هذا التخصص الذي تحبينه، وعالجي مشكلة فقدان الشغف الذي سببه ذلك الأمر الآخر، وعادة فقدان الشغف يكون أحد أعراض الاكتئاب، ولكن نحن لا نشخص عبر الموقع، ومثل هذه الأمور تحتاج إلى أدوات قياس وتشخيص نفسي في العيادة النفسية، لذلك نصيحتنا هي: أن تحاولي أن تشخصي نفسكد هل لديك اكتئاب أم لا، فقد لا يكون لديك اكتئاب بمعناه المرضي، وإنما مجرد توتر أو شيء من القلق، أو شيء من المخاوف غير المبررة، أو غير المنطقية، فعليك بالبحث عن أسباب هذه المخاوف، وعن جذورها والعمل على حلها، هذا سوف يخفف كثيرا من هذا الأمر الذي ومن التشتت الذي تعانين منه.
الأمر الآخر: عليك بإعادة رسم أهداف خارطة حياتك مرة أخرى، وأنت أيضا عبرت عن هذا في ثنايا رسالتك عندما قلت بأن أحلامك كانت تعانق السماء، ونرجو أن تظل كذلك، فعليك بإعادة رسم هذه الأهداف مرة أخرى، ورسم الأهداف الجزئية كذلك؛ لأن الهدف الكبير أو الرؤية والرسالة كما يعبر عنها لا بد لها من أهداف جزئية، أو مراحل جزئية توصل لهذا الهدف الكبير، وهذه المراحل الجزئية بلا شك هي السنوات الدراسية، أو المراحل الدراسية سواء ما قبل الدراسة الجامعية، أو ما بعدها ودراسة التخصص وامتهان مهنة معينة كمهنة الطب.
ومن الأمور التي سوف تعينك -بإذن الله- على تجاوز هذه الأزمة هي أن تعيدي ترتيب أوقاتك مرة أخرى، فهناك قاعدة مهمة تتعلق بقضية ضبط الوقت، فمن لم يضبط وقته جيدا سوف تنفلت الأمور من بين يديه، وسوف يصاب بالارتباك في عمله، وفي دراسته، وفي شؤونه كلها، وخير ما يضبط وقت الإنسان هو التقيد بأوقات الصلوات الخمس، فاحرصي على الصلاة في وقتها، واحرصي على أن يكون جدول أعمالك مرتبطا بأوقات الصلوات، حتى يتم ترتيب جدولك بشكل جيد، كما لا بد من الاهتمام بالنوم مبكرا، وأخذ حصة كافية من النوم في الليل.
نحن نعلم أن هناك مشاكل كثيرة تنتج عن سوء استخدام وسائل التواصل، وسوء استخدام الجوال، وهذا يسبب قلقا وتشتتا وهو مصيدة من مصايد الوقت، ومن أسبابها الإدمان على الأجهزة الالكترونية والجوالات.
أختي الكريمة إن اللجوء إلى الله عز وجل بالدعاء، والتوكل عليه ومناجاته أمر لا بد منه في مثل هذه الأحوال، بل هو دأب المسلم والمسلمة في يومه وليلته كما ذكر الله عز وجل في محكم كتابه الكريم: (يـٰۤأيها ٱلذين ءامنوا۟ ٱذۡكروا۟ ٱلله ذكۡرࣰا كثيرࣰا 41 وسبحوه بكۡرةࣰ وأصيلا 42) [الأحزاب 41-42].
لفت انتباهي آخر فقرة أو عبارة في رسالتك، وهي عبارة "النعيم لا يدرك بالنعيم" ولا شك أن فحوى هذه العبارة ومعناها العظيم هو أن الإنسان لا بد أن يجتهد وأن يتعب ويبذل قصارى جهده حتى يصل إلى النتيجة المرجوة، فإذا بحث الإنسان عن الراحة، فإنه لن يجدها، كما قال الشاعر:
بصرت بالراحة الكبرى فلم أرها ** تنال إلا على جسر من التعب
نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل.