السؤال
والدي بعمر 60 سنة، ليس لديه أولاد ذكور، تعرض منذ سنتين لمشكلة مع أحد الأقارب ويبدو أنه تعرض للهجوم، تركت طفلي الرضيع وسافرت إليه، وكان في غيبوبة بسبب نزيف دماغي، وأمضينا في المستشفى سنة، وفي ذلك الوقت ورغم عدم وجود أحد مع والدي كنت أذهب إلى الشرطة وأبحث عن دليل لجلب حق والدي.
أعمامي اعتبروا أنه ليس لدي الحق في ذلك وعلي السكوت، وحدثت بينا مشاحنات كثيرة عبر الهاتف فهم كانوا في بلد آخر، وكنت أرى والدي يتعرض لكل أنواع الألم، وطلبت منهم أن يساعدوني كي أتأكد على الأقل أنه لا يوجد شيء حصل مع والدي لكي أستطيع أن أهدأ، ولكنهم لم يبالوا بالأمر.
عمتي لديها سوء ظن بالآخرين، أتجنب الاصطدام معها، وأطلب منها مرارا عدم التحدث بموضوع والدي، خاصة أنه مضى عامان، دائما ينتهي الأمر بنا بمشكلة وصراخ، ولكن لا جدوى! هي تشعر بالغضب بسبب موقفي تجاه قضية والدي، وفي كل مرة نلتقي بها تعيد نفس العبارات المؤذية نفسيا.
الآن والدي في حالة خطرة، ولم يأتوا طول هذه المدة لزيارته، ولا الاتصال بنا، رغم أننا منذ سنة أصبحنا في نفس الدولة، وأنا الآن أخبرتهم أنه إذا فارق الحياة لن أسمح لهم بالمجيء.
أما بالنسبة لعمتي فستعيد نفس عبارات اللوم والكلام الجارح، ولن أستطيع تمالك أعصابي أنا وعائلتي، وعندها سيحدث ما لا تحمد عقباه، وقد يصل الأمر بنا إلى الشرطة والأذى الجسدي.
هل أنا آثمة في ذلك؟ لا أنوي قطيعتهم بشكل دائم، ولكن ما حدث منهم فوق طاقة تحملي لرؤيتهم، خصوصا أنهم حاولوا منعي من أخذ حق والدي، ولم يقوموا بزيارته بعد أن أصبح بجانبهم، بحجة أني هاجمتهم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لمى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.
أولا: نسأل الله تعالى أن يجبر مصابكم، وأن يشفي والدك ويمن عليه بالعافية، ونحن وإن كنا نتفهم مشاعر الغضب التي تعيشينها بسبب ما وقع من الظلم على والدك، وبسبب ما تظنينه تخاذلا عن القيام بحقه على أقاربه من نصرته، والدفاع عنه، وإعانته لأخذ حقه، ولكن هذه المشاعر من الغضب ينبغي أن تتحكمي فيها، وتستعيني بالله -سبحانه وتعالى- على ضبط سلوكك، بحيث يكون سلوكا موافقا لهدي الإسلام، وما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال، والله سبحانه وتعالى لا يحب التقاطع والتدابر بين المسلمين.
قد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التدابر، قال: (ولا تدابروا)، وحرم الإسلام على المسلم أن يهجر أخاه المسلم لأغراضه الشخصية أكثر من ثلاثة أيام، فقال: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)، يعني: يجوز له أن يهجره ثلاثة أيام ليشفي غليله، وينتقم لنفسه، ولكن بعد الأيام الثلاثة لا يجوز له أن يهجره، وفسر النبي -صلى الله عليه وسلم- الهجر فقال: (يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا)، ثم رغب -عليه الصلاة والسلام- بقطع هذا الهجران، ومدح السباق إلى الخيرات فقال: (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).
هذه المقدمة –أيتها البنت الكريمة– إنما قلناها حتى تعلمي بأن الانتصار للنفس، وأخذ الحق، ينبغي أن يكون مضبوطا بضوابط الشريعة، فقطع الأرحام حرام، وإن ظلموا وجاروا، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها)، وإذا قصر أولوا الأرحام ببعض الواجب عليهم، فلا يجوز لكم أنتم أن تقصروا بالواجبات التي فرضها الله تعالى عليكم.
لهذا نقول: لا تمنعي أقاربك من زيارة والدك، وفوضي أمورهم إلى الله -سبحانه وتعالى- من حيث عدم قيامهم بما يجب عليهم، وأنت كذلك لا تقطعي أرحامك، وحاولي أن تصليهم، فهذا خير لك في دينك، ويعينك على هذا أن تتذكري عظيم الأجر الذي تحصلين عليه بهذه المواصلة، وأن الإثم يرجع عليهم هم حين يقصرون في الواجب، وقد جاء أحد الناس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يشكو إليه أقاربه، فقال: (يا رسول الله: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي) فقال عليه الصلاة والسلام: (لأن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل)، والمل هو الرماد الحار، يعني: كأنما تطعمهم رمادا حارا، (فأنكما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك) فبين النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أنهم هم الذين سيتأذون بسلوكهم هذا ويتألمون به، ويكونون في حال من الألم، كحال من يتألم بسبب أكله للرماد الحار.
تذكرك أنت لعظيم الثواب الذي ستحصلين عليه، وأن الإثم سيلحقهم هم، ويعاقبون على فعلهم، يدفعك نحو القيام بما يجب عليك أنت، وإذا خشيت ضررا من مقابلتهم في مجلس من المجالس، فلك أن تمتنعي عن الحضور في ذلك المجلس؛ لأن الشريعة قائمة على مبدأ (لا ضرر ولا ضرار)، ولكن تواصلي معهم، وصليهم بالأدوات والأساليب التي تأمنين معها من حصول الضرر.
نسأل الله أن يوفقك لكل خير.