السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
كنت صغيرا أبلغ من العمر حوالي 11 أو 12 سنة، لا أذكر بالضبط كم كان عمري، كنت أذهب إلى بيت جيراننا لكي ألعب مع ابنهم الذي كان يبلغ من العمر حوالي 4 أو 5 سنوات، لا أعرف كيف دفعتني نفسي الخبيثة للتحرش به وراء بيته، وقد تحرشت به بالفعل.
كنا نلعب ولا أعرف كيف دفعني ذلك الفعل للقيام بذلك، لم أكن أدرك خطر ذلك، ولا العواقب التي قد تترتب عليه، أو إذا عرف الناس، وكنت لا أعرف القانون في ذلك، كما أنني لم أكن أعرف شيئا كثيرا عن هذا الموضوع.
الآن أنا نادم على فعلتي كثيرا، وألوم نفسي طوال الوقت، وأفكر في نظرة الناس إلي، تتحطم نفسيتي كلما أرى ذلك الطفل، وتزداد أفكاري وتوتراتي يوما بعد يوم، كما أنني تعرضت أنا شخصيا للتحرش من قبل ثلاثة أشخاص.
الآن -وأنا في سن 18 سنة- مضت سنوات كثيرة على هذه الحادثة، ولم أنس ما حدث، في كل مرة أراه أذكر ما فعلت به، وأنا نادم بشدة على ما فعلت بذلك الطفل، ولا أعرف كيف سأغفر لنفسي، وكيف سيتعامل مع ذلك عندما يكبر ويعرف ما فعلت به؟ ربما سينتقم مني أو يفكر في الانتحار بسبب ما حدث.
منذ ثلاثة أشهر وأنا في حالة نفسية صعبة، لم تفارقني الأفكار والقلق لحظة، أفكر دائما في المستقبل عندما يكبر، وأصبحت أفكاري سلبية بشكل مستمر، ونوبات الخوف تلازمني طوال هذه الفترة.
أفكر في الانتحار لكني أخاف الله، وأستيقظ كل يوم على تلك الأفكار؛ مما جعل نفسيتي تتحطم أكثر فأكثر، ودخلت في حالة من الاكتئاب، وأفكر في هذا الموضوع بشكل مستمر، حتى أنني أصبحت أتمنى الموت بدلا من هذا العذاب، فبماذا تنصحوني وترشدوني؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك في الموقع -أخي الفاضل- ونشكر لك الاهتمام، ونحيي هذه النفس اللوامة التي تلومك على فعل ما لا يرضي الله تبارك وتعالى، ونسأل الله أن يهديك لأحسن الأخلاق والأعمال؛ فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنك سيء الأخلاق والأعمال، لا يصرف سيئها إلا هو.
أرجو طي تلك الصفحات التي مضت بتوبة لله نصوحة، واعلم أن (التوبة تجب ما قبلها)، وأن (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، وأن {الحسنات يذهبن السيئات}، وأن الله {يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات}.
فاجتهد في نسيان ما حصل، واستغفر الله عند ورود ذكرها على نفسك، واعلم أن الذي يذكرك بذلك هو الشيطان، وهم الشيطان أن يحزن أهل الإيمان، وكلما ذكرك الشيطان بما حصل جدد التوبة والرجوع إلى الله تبارك وتعالى، وتذكر بأن الله ما سمى نفسه (توابا) إلا ليتوب علينا، ولا سمى نفسه (غفورا) إلا ليغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا.
رغم الذي حصل فهو خطأ وكبيرة من الكبائر، إلا أنك وذلك الطفل كنتما في عمر صغير جدا، وغالبا ما يكون الطفل غير متذكر لهذا الذي حدث، وهذا الذي حدث لا يضره في تلك المرحلة بالصفة المذكورة، وعلى كل حال: سيستطيع أن يتعافى من آثار ما حصل، وأنت أيضا ينبغي أن تتعافى من آثار ما حصل منك، أو حصل عليك.
على كل حال: أنت على خير، لكن لا نريد أن تستغرق في الندم، أو تفكر في الانتحار، أو تظن أن ذاك الطفل أو غيره يحمل لك الأحقاد، أو تتأثر نفسيا بالذي حصل، ولكن أرجو أن تستر عليه وعلى نفسك، وقبل ذلك تتوب إلى الله تبارك وتعالى، وتجتهد دائما في البعد عن الأطفال الصغار، وتجتهد في البحث عن سبل الحلال، فأنت في سن -ولله الحمد- على أبواب مرحلة جديدة من حياتك، تستطيع أن تؤسس حياتك كشاب، يعني تؤسس حياتك الأسرية.
وعليه أرجو ألا يأخذ الموضوع أكبر من حجمه، الموضوع كبير عندما يحصل من الكبار ومع الكبار، وهو كذلك مرفوض شرعا حتى في السن التي حصل فيها، ولكن بعض الشر أهون من بعض، والمهم أن الكريم سبحانه وتعالى فتح لنا باب التوبة، بل إن العظيم ربنا يفرح بتوبة من يتوب إليه، وأهم شيء هو أن تتوب، وأن تستر على نفسك وعلى الطفل، لا تذكر ما حصل لأحد من الناس.
فإذا ذكرك الشيطان به فاعلم أن هذا العدو يغتاظ لتوبتنا، ويندم لاستغفارنا، ويبكي لسجودنا لربنا، فعامل عدونا الشيطان بنقيض قصده، واطرد فكرة الانتحار، بل فكرة التفكير الطويل الذي يشغلك عن الطاعة والذكر والإنابة؛ كل ذلك من عدونا الشيطان، ونكرر دعوتنا لك بأن تجدد التوبة، وتستغفر، وتصلي، وتذكر الله كلما ذكرك الشيطان ما حصل؛ عندها سينصرف الشيطان عنك.
نسأل الله أن يوفقك، وأن يرفعك عنده درجات، وأن يحفظ أبناءنا وإخواننا وشبابنا من الفحشاء والمنكر والشر، وشكرا لك على هذه الروح، ونتمنى أن تنصرف لمعالي الأمور، وتستأنف حياتك بأمل جديد وبثقة في ربنا المجيد، وشجع دائما على فعل الخير، وشجع ذلك الشاب وغيره على أن ينجح في حياته، وأن يحافظ على صلاته وطاعته لربه؛ فإن في ذلك العصمة من كثير من الشرور، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر.
وفقك الله وسدد خطاك.