السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
أنا طالبة طب، كنت قبل دخولي كلية الطب متفوقة لكن بعد دخولي الكلية أصبحت أسوأ فأسوأ من الناحية الأكاديمية، لم أعد أستطيع أن أركز وأدرس كما في السابق، حاولت مرارا وتكرارا وفي كل مرة أفشل إلى أن رسبت في سنتي الثالثة، وها أنا أعيدها بعد أن استخرت وقمت ببعض التغييرات التي بنظري وبنظر أهلي هي تغييرات إيجابية، لكني عدت إلى نفس الدائرة المغلقة ولم أتمكن من الدراسة رغم محاولاتي العدة.
عدت لحفظ القرآن، وأصبحت أصلي على الوقت، والتزمت بالأذكار، وأستغفر وأسبح كثيرا، تركت الأغاني منذ سنتين، ولا أتابع أي مسلسلات، فقط أحاول أن أدرس وأحفظ القرآن، وأستمع لدروس دينية، وأقوم بواجباتي المنزلية كوني في سكن جامعي، وأحاول أن أذهب لحضور المحاضرات رغم قلة تركيزي، لكن كل ذلك بدون جدوى.
عدت إلى ما كنت عليه من فشل وتوتر وحزن، وقد ضقت ذرعا بنفسي وأكرهها جدا، أشعر أن الله غاضب مني وأن هناك ذنبا يمنعني من طلب العلم لكن لا أدري ما هو، راجعت نفسي كثيرا، وتعلمت الكثير عن أمراض القلوب وما إلى ذلك لكن بدون أي جدوى، حتى أنني قمت بجميع الفحوصات وليس لدي سوى نقص حديد، وأكلي صحي جدا، لكن لا زلت فاشلة لا أدرس إلا قليلا جدا بمعدل نصف ساعة يوميا، مهما حاولت وجاهدت نفسي وجددت النية ونويت أن تكون دراستي خالصة لله، حتى قمت ببعض التمارين لرفع التركيز والتخلص من التوتر لكن بدون فائدة، أمي قرأت لي على ماء واغتسلت به، وأنا بدوري رقيت نفسي بدون جدوى لم يتغير شيء. أشعر أنني أهوي للقاع رغم محاولاتي العدة!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عائشة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكركم لتواصلكم معنا وثقتكم بموقعنا، ويؤسفنا ما حصل لكم في السنة الثالثة من الدراسة الجامعية. كما أننا نشد على أيديكم بخصوص المحاولات الإيجابية في التغيير، والأمر الثاني عودتكم في التزام العبادات والقرآن والأذكار، وحرصكم على تعلم أمراض القلوب، والأمر الثالث والأخير وهو لجوؤكم إلى الفحص الطبي والصحي حتى تستبعدوا وجود أي أمراض تتعلق بالنواحي الصحية.
ولا يفوتنا أن نلفت انتباهكم إلى أهمية فحص الغدد الصماء كالغدة الدرقية على سبيل الخصوص. هذا من الناحية الصحية، أما من النواحي النفسية فيمكن هنا أن نتحدث عن أمرين:
الأمر الأول وهو ما يسمى: بدورة الدافعية حيث أن دورة الدافعية تتكون من خمسة أجزاء رئيسية:
الجزء الأول: الحاجة، وتعني وجود أمر يتطلب إشباعا كحاجة الإنسان إلى الطعام على سبيل المثال.
والجزء الثاني: الدافع لهذه الحاجة وهو الجوع، وبدون الجوع لن يتحرك الإنسان لطلب الطعام.
والجزء الثالث: وهو السلوك الموجه نحو تحقيق الهدف أو بلوغ الحاجة، ويعني ذلك أن يسعى الإنسان عمليا وواقعيا في البحث عما يشبع جوعه ويسد رمقه.
والجزء الرابع: وهو بلوغ الهدف نفسه بمعنى أن يصل الإنسان فعليا إلى تحقيق الهدف، وهو الإشباع في هذه الحالة، فإذا وصل إلى الإشباع فإنه سيدخل في الجزء الخامس: وهو الاستراحة أي التوقف عن البحث عن هذا الهدف، وبالتالي سوف يبحث عن حاجة أخرى ليقوم بإشباعها بنفس الدورة السابقة.
إذا طبق هذا المثال على موضوع الدراسة الأكاديمية أو المهنية فإننا سنجد أن الطالب يسعى لتحقيق هدفه الدراسي، وهذا الهدف يختلف من شخص إلى آخر ولكن في العموم فإن الطلاب الذين يدرسون يسعون عادة لتحقيق المعرفة العلمية في التخصص، ثم المهارة المهنية تمهيدا للحصول على وظيفة مناسبة.
إذن عند هذه الجزئية يمكنك مراجعة الهدف من الدراسة، هل هذا الهدف يحقق إشباع حاجة لديك أم أنك تسعين للدراسة لمجرد تشجيع الآخرين أو طلبهم لذلك؟ إذن لا بد أن يكون الحافز والدافع لذلك داخليا، بحيث تستطيعين مواصلة مسيرتك الأكاديمية لبلوغ ذلك الهدف المنشود.
الأمر الثاني: يتعلق بالإجابة على السؤال التالي: هل التخصص الذي تدرسينه حاليا هو تخصص ملائم ومناسب لك أم لا؟
في العادة دخول التخصص يخضع لثلاثة أمور رئيسية:
الأمر الأول: الميول والرغبة الشخصية.
الأمر الثاني: متطلبات سوق العمل.
الأمر الثالث: رغبة الأهل ونصائح الأصدقاء، وهي ثلاثة عناصر مرتبة على الأهمية، فأهم عنصر من هذه العناصر الثلاثة هو العنصر الأول وهو الرغبة الشخصية والميول، فإذا لم يكن لديك ميول لدراسة تخصص الطب فمن الطبيعي أن تحصل مثل هذه الأمور وتبدأ الدافعية عندك تقل شيئا فشيئا، ولا أدري هل قمت بعمل مقياس للميول المهنية وميول التخصص أم لا، وفي العادة إجراء مثل هذه المقاييس ليس إجباريا أو ضروريا، ولكنه قد يساعد الطالب على معرفة اتجاهه وميوله، ومعظم الطلاب الذين يدخلون الجامعة لا يقومون بإجراء مثل هذه المقاييس وإنما يسيرون مع رغباتهم وميولهم الشخصية، خاصة إذا كان الشخص يشعر بانجذاب نحو ذلك التخصص فإنه لن يحتاج إلى مثل هذه المقاييس والاختبارات.
نقطة أخيرة نحب أن ننوه إليها، وهي البحث عن السبب الحقيقي الذي ضعضع همتك وأنقص من الدافعية لديك، فقد تكون هناك مشاكل شخصية تجعل الإنسان ينصرف ذهنيا عن التركيز في الدراسة، ولا شك أن حل مثل هذه المشاكل سيكون هو المفتاح للعودة القوية إلى الدراسة.
عموما -أختي الكريمة- إذا استمر هذا الوضع معك يمكنك اللجوء إلى الأخصائي النفسي وعمل اختبارات ومقاييس، وربما قد تحتاجين في فترة من الفترات إلى التدخل الدوائي النفسي.
نرجو أن تستمري على ما أنت عليه من الإقبال على الله تعالى والتضرع إليه والدعاء، ومحاولة معرفة الأسباب الحقيقية التي جعلت مستواك الدراسي يتدنى ويضعف.
نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل.