السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ولدت في أوروبا وعشت في مصر، وفي صغري تعرضت لاعتداء جنسي، ومارست الرذائل في سن الـ٨ على ما أتذكر، وفي هذا السن الصغير تعرضت وفعلت كل ما يخطر بالخاطر، من أعمال منافية للدين والمجتمع، وأدمنت الإباحية من سن١١ تقريبا، وتشبعت بالهوس الجنسي إلى أعلى مستوى مع الأسف الشديد، ودخلت في علاقات كثيرة محرمة.
ولقد سئمت هذه الحياه، لدرجة أني أفكر أحيانا في الانتحار -والعياذ بالله-، وحاولت منذ فترة -ليست قليلة- البدء من جديد، وحاولت تقويم نفسي وذاتي، ولكن دائما يراودني سؤال: هل الله لا يحبني ولذلك ابتلاني بهذا الابتلاء؟ وهل هذا قدر قدره الله علي وأعيش فيه؟
أرجو المساعدة، وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك في استشارات إسلام ويب.
نحن سعداء بتواصلك معنا، ونظن -أيها الحبيب- أن من توفيق الله تعالى لك، وإرادته للخير بك، أن وفقك لتسأل وتستشير من يحاول أن يساعدك في التخلص من هذه الحال التي أنت فيها، وهذا -إن شاء الله- مفتاح للخير، وبداية تبشر بما وراءها من أسباب السعادة، وعلامة على أن الله تعالى يريد لك الخير، وأنه يحبك، فبادر إلى سلوك الطريق الذي يحبه ربك ويقربك إليه، وهو طريق مفتوح، فإن باب التوبة مفتوح لا يغلقه الله تعالى حتى تصل الروح الحلقوم، وقد قال الرسول ﷺ: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر) يعني: ما لم تأته سكرات الموت.
ومن حسن تدبير الله تعالى لك أن ألهمك الحاجة إلى التوبة والإقلاع عن الذنوب التي أنت منغمس فيها، فبادر -أيها الحبيب- قبل أن يفوت الوقت، فأنت لا تزال في سعة، ولا تزال في زمن يمكنك فيه التصحيح، والله سبحانه وتعالى كريم يقبل العبد مهما كان قد أسرف على نفسه بالذنوب والخطايا، فقد قال سبحانه في كتابه الكريم: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}.
فمهما كثرت ذنوبك فإن رحمة الله تعالى أكبر، ومهما كبرت جرائمك فإن فضل الله تعالى أعظم، فهو سبحانه وتعالى أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، وهو الغفور الرحيم، الودود، الحليم، يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، فأحسن ظنك بربك، واعلم بأنه سيقبل توبتك إذا تبت.
والتوبة تعني: أن تندم على فعلك للذنوب والمعاصي السابقة، وأن تعزم أنك لا ترجع إليها في المستقبل، مع إقلاعك وتركك لها في الوقت الحاضر، فإذا فعلت هذا فقد تبت، وإذا تبت تاب الله عليك ومحا ذنوبك السابقة كلها، فقد قال النبي ﷺ: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، فأي فضل وعطاء ورحمة تريد أكبر من هذا، أن يمحو الله تعالى كل ذنوبك السابقة، وستبدأ صفحة جديدة كأنك مولود جديد!
فبادر، وسابق إلى سلوك هذا الطريق، واحمد الله تعالى كثيرا أن وفقك لهذا قبل أن يأتيك الموت، وهذا -إن شاء الله- دليل على حب الله تعالى لك.
لا تنظر إلى الماضي، وتبقى أسيرا له لتفكر فيه هل هو علامة على أن الله تعالى لا يحبك؟ بل انظر إلى ما أنت فيه الآن، فهو علامة -إن شاء الله- على أن الله تعالى يحبك.
بادر -أيها الحبيب- إلى التوبة، واستعن بالأسباب التي تعينك على الثبات على هذه التوبة، ومن أهم هذه الأسباب: الرفقة الصالحة والأصحاب الجيدون، فتعرف على الشباب الطيب والرجال الصالحين، وأكثر من مجالستهم، وتواصل معهم، وستجدهم -بإذن الله تعالى- عونا لك على الثبات على الخير، نسأل الله تعالى أن يمن عليك بإصلاح حالك كله.
واحذر كل الحذر من أن يجرك الشيطان إلى ما تفكر فيه من الانتحار؛ فإن هذه الجريمة الكبيرة ما هي إلا انتقال من عذاب صغير إلى عذاب كبير، فإن الرسول ﷺ قد أخبر بأن قاتل نفسه يعذب في النار بنفس الأداة التي قتل بها نفسه في الدنيا، وهو خالد في جهنم، كما قال ﷺ: (من تردى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سما فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا).
فاحذر أن يجرك الشيطان إلى هذا الخيار الصعب، والذي يوقعك في ندامة لا تتمكن بعدها من الإصلاح، وإن كنت ترى أن التوبة صعبة في بيئتك التي تعيش فيها، فعليك أن تخرج من هذه البيئة والانتقال لمكان آخر مع إخوة صالحين تعيش معهم حياة التوبة والرجوع إلى الله.
نسأل الله أن يأخذ بيدك إلى كل خير، ويتوب عليك، ويعفو عنك.