السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة، أبلغ من العمر 30 سنة، أعمل معلمة، وعانيت منذ صغري من ظلم والدتي الشديد، فوالدتي كانت وما زالت كلما حدثت مشكلة في المنزل وإن لم يكن لي علاقة بها تحملني مسؤوليتها.
في صغري عانيت منها أشد أنواع الضرب والعقاب؛ من بينها معاقبتي بالحبس في البيت عن المدرسة، وذلك انتقاما من أبي حينما تتخاصم معه، كل هذا وأنا صابرة.
وللعلم: لدي أربعة إخوة تعاملهم بكل حب، حتى بدأت أشك في مرحلة من مراحل حياتي أنني لست ابنتها، وأنني مجرد نكرة لا محل لها من الإعراب، لكن هذه الأم تمادت كثيرا عندما كبرت، وبدأت في إهانتي ونعتي بالعانس، وطعنت في شرفي بنعتي بالعاهرة، ووصلت بها الأمور إلى مناداتي بالمعاقة؛ ذلك لأن رجلي كسرت وأصبحت عرجاء.
سؤالي هو: كيف أتعامل مع هذه الأم التي سببت لي عدة مشاكل نفسية؟ أريد إجابة دينية خاصة؛ لأن الدين الإسلامي يوصينا ببر الوالدين، وما هو حكم هذه الأم ومثيلاتها في الإسلام؟
أعتذر عن الإطالة، وشكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.
نسأل الله تعالى لك الإعانة، وتيسير الأمور، وأن يجعل لك من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا، ولا شك أن سؤالك عن موقفك من أمك وما يجب عليك تجاهها، وكيفية برها مع إساءتها إليك، لا شك أن كل هذا دليل عن حسن إسلامك ورجاحة عقلك، ونحن نسأل الله تعالى أن يزيدك هدى وصلاحا، وأن يتولى عونك على طاعته وعلى ما يرضيه.
ونحن نتفهم –أيتها البنت العزيزة– الألم النفسي الذي تعيشنه بسبب تصرفات أمك، ومما لا شك فيه أنه لا يجوز لها أن تسيء إليك كل هذه الإساءة التي ذكرتها، والإسلام لا يبيح لها ذلك، فالإسلام يوجب حقوقا على الأبناء للآباء والأمهات، وكذلك يوجب حقوقا للأبناء والبنات على الآباء والأمهات، وقد توعد الله تعالى المطففين، فقال: {ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}.
فلا يجوز للإنسان أن يأخذ حقه ويطالب بحقه كاملا، مع أنه يمتنع من أداء الحقوق الواجبة عليه، فالإسلام يربي الإنسان على أداء الحق في مقابل أخذ ما وجب له على الآخرين.
ولكن مع هذا فالإسلام يدعو النفوس الشريفة العالية للتسامح والتغاضي عن إساءة المسيئين، وقد وعد الله -سبحانه وتعالى- من يفعل ذلك بثواب عظيم، فقال -سبحانه وتعالى-: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}، ثم قال: {أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين}.
فمن تعامل مع الناس بالعفو والصفح وتجاوز عن إساءتهم فإنه موعود بالعوض والخلف من الله تعالى، والله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا، وإذا كان هذا مع سائر الناس فكيف إذا كان مع الوالدين أو مع أحدهما؟
فنصيحتنا لك –أيتها البنت الكريمة–: أن تصبري، وأن تحتسبي ما تلاقينه من شدائد من أمك وإساءات، وما يعينك على هذا الصبر والاحتساب هو أن تتذكري الثواب الجزيل الذي يترتب على هذا الصبر، فإن الصابر يوفى أجره بغير حساب، كما قال الله -عز وجل-: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}.
ونصيحتنا لك كذلك: أن تتعاملي مع أمك بالتسامح والعفو، وأن تغفري لها وتسامحيها في إساءتها، وهذا لا يعني أن تفرطي في حقوقك، أو أن تسكتي عن الإساءات التي لا تحتمل إليك، فذكري أمك بالله تعالى وبعقابه، واستعيني بمن لهم كلمة مؤثرة عليها من الأقارب وصديقاتها إن كانت لها صديقات يعقلن الأمور ويحسن التدبير، ويخلصن لها النصيحة، فاستعيني بمن يؤثر عليها، بتذكيرها بالله تعالى، وبعواقب هذه المنكرات التي تفعلها، أو الظلم الذي تفعله، ولا تيأسي من ذلك، فإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
ومع هذا كله فبرها واجب عليك، وبرها يعني الإحسان إليها بما تقدرين عليه من الإحسان، وإدخال السرور إلى قلبها، ومعاشرتها ومعايشتها بالمعروف، فقد أمر الله تعالى بهذا مهما بلغت إساءة الوالدين؛ فقال: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا}.
نسأل الله تعالى أن يتولى عونك، ويأخذ بيدك إلى الخير.