السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا أعاني من مشاكل نفسية عصيبة، وما ألبث أن أتحسن قليلا حتى أعود لمشكلتي السابقة، الذنوب أتعبتني وأرهقتني، أشعر أن الله يعذبني بذنوبي، أحاول الالتزام بشرع الله، الحمد لله أصلي صلواتي في وقتها، أذكر الله بعض الأحيان، أعلم والله أني مقصرة، لكنني ما عدت أقوى على فعل شيء، وأشعر بعدم التوفيق في حياتي، لا في زواج ولا في تعليم، ولا أستطيع أن أفكر، عقلي مشوش.
لا أستطيع التفريق بين ما هو جيد وما هو سيئ، لا أستطيع أخذ أبسط قرار، أدعو الله أن يحفظ لي عقلي، أعاني من الشتات والضياع، وصرت أعاني من مشاكل صحية، صحتي في تراجع، أبكي كثيرا، ولا أخبر أي أحد بأي مشكلة، لا أحد يعلم عني أي تفصيل، مما عانيت ومما أعاني، ولا أحد يعرف عن مشاكلي الصحية أيضا.
كنت أمر بنوبات هلع، أعيش مع أهلي، لكنني لا أشعرهم بأي شيء، وأنا أتقطع في داخلي، نجحت في الثانوية العامة بمعدل 93.6، لكنني مستاءة جدا من نتيجتي، وسجلت تخصص التمريض، رغم أنني أخاف كثيرا، ورغم أنني أكره الأحياء، لا أعرف بماذا أفكر عندما آخذ قرارات مصيرية تضرني، لقد كان قرارا خاطئا منذ البداية.
والآن مع شعوري بالضياع والتشتت لا أستطيع الدراسة، وعلاماتي من جيدة إلى جيدة جدا، ولا أستطيع أن أخطو خطوة للزواج بسبب حالتي هذه، أصبحت أرفض الخاطبين قبل أن يأتوا، وأحس بأنني لا أصلح لأن أكون ابنة أو زوجة، أفكر في ترك الجامعة، لكنني أخاف من رد فعل والدي، لقد دفعت مبلغا كبيرا للدراسة، غير المواصلات، أحاول منذ أسبوع إخباره، لكنني لم أستطع، فكرت في زيارة طبيب نفسي، لكن بسبب أن أهلي لا يعرفون أي شيء عني لا أستطيع، آسفة على الإطالة، وأعتذر إن كانت رسالتي غير مفهومة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Nada حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك -أختي وبنيتي الفاضلة-، حيث لم تذكري لنا عمرك، نرحب بك عبر إسلام ويب، ونشكر لك هذا السؤال الذي هو واضح ومفهوم، فقد عبرت عما تشعرين به بشكل جيد، ولم تطيلي، فجزاك الله خيرا، لأن هذه التفاصيل تفيدنا في فهم الموضوع، ومن ثم تقديم الاستشارة المناسبة.
أختي الفاضلة: ذكرت عن تقصيرك، ومن منا غير مقصر؟! ندعو الله لنا ولكم بالصلاح والهداية والثبات والقبول.
أختي الفاضلة: واضح أنك تمرين في مرحلة حرجة تؤثر عليك جسديا ونفسيا وأسريا وتعليميا واجتماعيا، وقد لاحظت أنك تعانين بشكل شديد، إلا أنك لا تخبرين أحدا بما تمرين به ولا حتى أسرتك أو أقرب الناس لك، وربما هذا جزء من المشكلة؛ لأن الإنسان بطبعه يحب أن يستشير، ويحب أن يفضفض، ويحب أن يتبادل الرأي ويبوح عما في نفسه أو بعضا مما في نفسه لمن يثق به، فالإنسان مخلوق اجتماعي بطبعه، يحب الحديث والتواصل مع الناس، ولعل في هذا ملاحظة عليك أن تستفيدي منها في قابلات الأيام.
أختي الفاضلة: الطبيب النفسي أو العيادة النفسية – سواء كان طبيبا نفسيا أو أخصائية نفسية – هم ليسوا فقط لتشخيص الأمراض النفسية، وإنما للاستشارة النفسية، وإن لم يكن هناك مرض معروف نفسي، وإنما فرصة أن يتبادل الرأي في العيادة النفسية، يشرح ما يمر به من صعوبات وتحديات، كالتي وصفت في موضوع تركك للدراسة الجامعية ورفضك للخاطبين ... إلخ.
أختي الفاضلة: كل هذا الذي ذكرتيه في رسالتك مشكورة، يستدعي أن تتكلمي مع أحد، سواء قريبة لك تثقين بها، أو العيادة النفسية، وخاصة أنا أقول لك هنا: أن تطلبي مقابلة أخصائية نفسية، ليس بالضرورة أن يكون طبيبا نفسيا؛ فالموضوع قد لا يحتاج إلى علاج دوائي، وإنما مجرد علاج نفسي، وتبادل الرأي في الوضع الذي تمرين به، وكيفية الخروج من هذه الحلقة المفرغة التي تدورين فيها.
نصيحتي الهامة جدا هنا: ألا تتخذي الآن وأنت في هذه الحالة النفسية، ألا تتخذي قرارا مصيريا كترك الجامعة والدراسة، وخاصة أنك -ولله الحمد- أعطاك الله من الذكاء والقدرات، حيث حصلت في الثانوية عامة معدل 93,6، فهذا يدل على إمكانات، وواضح أيضا مما قرأته بين السطور أنك شديدة الحساسية وعندك مستوى عال من العواطف والشعور، ولعل كل هذه الأمور تتيح لك في العيادة النفسية فرصة تبادل الرأي، والتعبير عما في نفسك.
أختي الفاضلة: أخيرا أقول: أنا لا أشك أبدا في أنك قادرة -بإذن الله عز وجل- على الخروج من هذه الحالة النفسية، لتعودي كما كنت ممتلئة بالحيوية والنشاط والإقدام والإقبال على الحياة، فالحياة نعمة عظيمة من الله سبحانه وتعالى، ولكن علينا أن نحسن التعامل معها.
طبعا كنت أتمنى أن تقولي لنا أكثر عن طفولتك وتجارب حياتك، فلعل بعض هذه التجارب تفسر بعضا من جوانب الحالة التي أنت فيها، على كل: هذا كله يمكن التشاور والحديث فيه مع الأخصائية النفسية، فأرجو ألا تترددي أو تتأخري أكثر في أخذ موعد، والاستفادة مما ستقدمه لك الأخصائية، وأدعو الله تعالى أن ييسر لك أخصائية نفسية فاهمة واعية حكيمة، لتأخذ بيدك وتعينك على الإقبال مجددا على الحياة.
أدعو الله تعالى أن يشرح صدرك وييسر أمرك، ولا تنسينا -أختي الفاضلة- من دعوة صالحة في ظهر الغيب.