أمي تكثر من شتمي والدعاء علي، فكيف أتعامل معها؟

0 41

السؤال

السلام عليكم.

عمري 21 سنة، أعاني من مشكلة كبيرة، وهي أن أمي تسيء التعامل معي منذ الصغر إلى الآن، تعاملني بقسوة، تصرخ، تشتم، تلعن، على جميع أمور الحياة تسبني، على أي شيء تلعنني، تدعو علي بالموت والأمراض، حاولت معها بكل الطرق، ولم تغير معاملتها لي، حتى كلمة شكرا لا تقولها، الطاقة السلبية في البيت دائما موجودة، حتى أن تعاملاتنا أنا وإخوتي أصبحت سلبية، تعودنا على الشتم واللعن والكره منها.

أصبحت أفقد السيطرة على نفسي، وأصرخ عليها أيضا، لا أستطيع أن أتحكم في نفسي وأسيطر عليها، أصبحت أتمنى أن أموت وأرتاح.

ما الحل في هذه الحالة؟ هل الله يحاسب الأهل على معاملتهم السيئة لنا، وتربيتهم المليئة بالكره والشتم؟ وكيف أتحكم في غضبي، وأسيطر على نفسي حين تسبني وتلعنني؟

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يرزقك الصبر على الوالدة وبرها، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

أرجو أن تعلمي أن بر الوالدين أعظم الأعمال، بل هي من الطاعات التي ربطها العظيم بتوحيده وعبادته، إذ قال سبحانه وتعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا}، وأرجو أن تتذكروا أيضا أن البر عبادة لله تبارك وتعالى، وأن إساءة الوالدة لا تبيح لنا الإساءة، وتقصيرها لا يبيح لنا التقصير، وأن الوالدة إذا قصرت أو الوالد فالله يحاسبهم، وإذا قصرنا نحن كأبناء أو بنات فإن الله يحاسبنا، {ولا تزر وازرة وزر أخرى}.

عليه أرجو أن تدركوا أن الصبر على الوالدة من برها، وإذا لم يصبر الإنسان على أمه فعلى من يكون الصبر؟! أرجو أن تتسلحي بالصبر، والحمد لله رغم الصعاب أنت وصلت إلى عمر ونضج، وأرجو أن يكون لك دور حتى في حماية إخوانك وأخواتك، من التأثير السلبي لهذا الجو المشحون بالسلبيات كما أشرت.

ونتمنى أيضا أن تجدوا من الخالات والعمات والكبيرات في السن من يمكن أن ينصح للوالدة ويكلمها؛ لأن الكثير من الأمهات لا تقبل النصيحة من أبنائها أو بناتها، لكونهم أصغر؛ لأنها تراهم صغارا، فهي لا تقبل منهم النصح، لكن إذا كان هناك مجال أن ينصح الأب أو تنصح العمة أو الخالة أو الجارة الصالحة، أو الدعاة إلى الله الذين تستمع إليهم، أو خطيب المسجد القريب، بأن نوصل لهم الفكرة بضرورة أن يتكلموا عن الأم التي تسب وتلعن وتشتم أبناءها وتدعو عليهم، إلى غير ذلك من التصرفات التي لا تقبل من الناحية الشرعية.

ولا نؤيد فكرة أنك فقدت السيطرة، فأنت لا تتعاملين مع زميلة، إنما تتعاملين مع والدة، والإنسان ينبغي أن يعرف مقام الوالد ومقام الوالدة، ولا يضعهم كأنهم زملاء يرد عليهم ويتهيج فيهم ويصرخ عليهم، الله يقول: {فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما}، مع أن الوالد قد يخطئ، ومع أن الوالدة قد تكبر في السن، وقد يصبحا خرفين، وقد يقولان كلاما خارجا عن المعقول وعن المقبول، لكن مع ذلك لا يجوز أن نرفع الصوت عليهم، ولا يجوز أن نقول (أف) مجرد إظهار التضجر وعدم القبول أمامهما، هذا يجرح مشاعرهما، لذلك هذا كله مرفوض.

وإذا قمت بما عليك من الطاعات، وأديت ما عليك من الواجبات، بعد ذلك غضبت الوالدة، فدعت عليك؛ لا يضرك؛ لأن البر عبادة لله تبارك وتعالى، وإذا كان عبادة لله فنحن نعمل لطاعة الله تبارك وتعالى.

وإذا قام الإنسان الشاب أو الفتاة بما عليه تجاه والده أو والدته، ولم ترض الوالدة ولم يرض الوالد فإن الله يقول في عزاء هؤلاء: {ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا}، قال أهل العلم: هذه الآية فيها تسلية لمن يقوم بما عليه أو تقوم بما عليها من البر، ولا تجد من الوالد أو الوالدة إلا العنت والشدة وعدم الرضا، إلى غير ذلك.

ومما يعينك على التحكم في هذا الغضب والسيطرة على النفس:
- فهم المعاني الشرعية في كيفية التعامل مع الوالدين.
- التوجه إلى الله تبارك وتعالى.
- احتساب الأجر والثواب عند الله تبارك وتعالى في كل ما يصيبك منهما.
- التدرب على ضبط النفس.
- التذكر أن هذه والدة وأننا ينبغي أن نستمع إليها.
- تفادي أسباب السب واللعن، يعني: ما هي الأمور التي تغضب الوالدة ينبغي أن نتفاداها، وإذا تفادينا هذه الأمور إما أن تترك هذه الإساءة أو تقل جدا، لأني أعتقد أن أي إساءة لها أسبابها، وأنتم أكثر من يعرف الوالدة، ما الذي يغضبها؟ تفادوا الذي يغضبها، ما الذي يفرحها؟ اعملوا ما يفرحها.

- إذا طالبت بشيء فوق طاقتكم فأحسنوا الاستماع، يعني: لا داعي للجدال، ثم افعلوا ما تستطيعون، {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، ثم افعلوا ما فيه منفعة ومصلحة، والإنسان مجرد حسن استماعه للوالدين مهما تكلما هذا يرضيهما، بصرف النظر عما يترتب على هذا، فإن كان صوابا عملناه، وإذا كان خطأ تفادينا العمل بالخطأ، وإن كان معصية لله فلا سمع ولا طاعة، ولكن مع ذلك قال سبحانه: {وصاحبهما في الدنيا معروفا}، حتى لو أمر الوالد بالخطأ وأصر على أن نترك حتى الصلاة؛ الله قال: {فلا تطعهما}، حتى الشرك بالله؛ قال: {فلا تطعهما}، ولكن لم يقل: تشتمهما وتصرخ عليهما، وإنما قال بعدها: {وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي}.

وأكبر ما يعينك بعد توفيق الله هو الفقه، فقه طريقة العمل على بر الوالدة والتعامل معها، رغم هذا الوضع الصعب، ونحن نقر أن الوضع صعب، وقد سعدنا بهذه الاستشارة، وأنت -ولله الحمد- في عمر يمكنك من السيطرة على نفسك، وتوجيه أهل البيت وإرضائهم، وتخفيف التوتر داخل البيت. نتمنى أن تقومي بكل هذا، وأرجو أن تصلنا منك البشارات، والتغير عندكم أنتم معاشر الأبناء قبل أن نغير الوالدة.

نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، ونسأل الله أن يعيننا وإياكم على الخير.

مواد ذات صلة

الاستشارات