السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ابنتي تبلغ من العمر 13 سنة، مكلفة شرعيا، وأرادت زيارة جدتها التي تسكن معنا في نفس المنزل، ولكن انشغالها بالدراسة حال دون ذلك، بعدها توفيت الجدة -رحمها الله-، وظلت ابنتي تبكي وتشعر بالذنب، وتقول: ليتني رأيتها، وتقول: إني قاطعة رحم، ولا أصلح، ولا يدخل الجنة قاطع رحم، وتعيش في اكتئاب حاد.
سؤالي: هل هي آثمة؟ علما أني لم أمنعها وقلت لها: اذهبي، ولكنها قالت لي: ستذهب في المرة القادمة.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك مع الموقع، ونسأل الله تعالى أن يصلح ابنتك، ويذهب عنها وعنا وعن المسلمين كل سوء ومكروه.
لا شك ولا ريب أن إصابتها بهذا الاكتئاب دليل على حرصها على مرضاة الله تعالى، وخوفها من التفريط في ما يجب عليها من الحقوق، وهذا -إن شاء الله- عنوان صلاحها، ولكن ينبغي أن تنصح بالتعرف إلى أحكام الله تعالى بكمالها وبتمامها، فالله سبحانه وتعالى الذي أمر بصلة الرحم ووصى بالوالدين –ومنهم الأجداد والجدات– هو أعلم بما في نفوس الخلق من الحرص على التزام أوامره، وابتغاء مرضاته والقيام بحقوق عباده، أو خلاف ذلك، والله سبحانه وتعالى ينظر إلى القلوب قبل النظر إلى ظواهر الأعمال.
لهذا ينبغي لهذه البنت أن تعلم هذه الحقيقة، وتطمئن إلى أن الله سبحانه وتعالى لن يؤاخذها ما دامت تقصد الخير وتنويه، ويعلم منها سبحانه وتعالى الحرص على البر والإحسان إلى جدتها، فقد قال سبحانه وتعالى في الآيات التي وصى بها بالإحسان إلى الوالدين في سورة الإسراء: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا}، ثم قال سبحانه: {ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا}.
هو يخبر سبحانه وتعالى عن علمه بما في النفس، وما تنطوي عليه هذه النفس من إرادة الخير أو غير ذلك، ويخبر سبحانه وتعالى بأنه إذا وقعت الهفوة أو الزلة في حق الوالدين، دون أن تكون مقصودة من الولد، فإن الله سبحانه وتعالى يوقعها في دائرة العفو والمسامحة والتجاوز: {إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا}.
ثم إن صلة الرحم مردها إلى العرف والعادة، فإذا جرى العرف والعادة بعدم التواصل البدني والزيارات البدنية، إلا في ظروف وأحوال أو أوقات معينة؛ فهذا هو المحكم في معرفة ما يجب وما لا يجب من الصلة، وإذا عرض للإنسان عارض يمنعه من هذه الزيارة، فإنه معذور في ذلك؛ لأن الله تعالى يقول: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}.
على كل حال ينبغي أن تنصح هذه البنت بالإكثار من العمل الذي ينفع جدتها، وهو الدعاء لها والاستغفار لها، فهذا من الصلة والبر بعد الممات، كما أرشد إلى ذلك النبي ﷺ، فينبغي للإنسان المسلم أن يكون إنسانا إيجابيا، منتجا، نافعا، وألا يستسلم لمشاعر اليأس والإحباط، والتي تورث أنواعا من الضيق ونكد العيش، كما أنها تقيد أيضا عن العمل النافع له ولغيره.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق الجميع لما فيه مرضاته.