السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة عمري 15 سنة، وحيدة أمي وأبي، وأبي رجل متعلم وطيب وخلوق وكريم، وهو يعمل كل الوقت، يعود للبيت من وظيفته الساعة 5 مساء، ثم يجلس ويعمل إلى منتصف الليل! وهو لا يقبل أن يترك جهازه ولا يخرج معنا، وإن خرجنا يأخذ معه الجهاز حتى لو ذهبنا إلى مطعم، وهو حريص جدا في أمر المال، ودائما يتحدث عنه، مما يزعجني جدا، أبي ليس بخيلا، ولكنه لا يدعنا نصرف شيئا منه إلا ونسمع منه الكلام المزعج، علما أن صديقاتي كلهن يخرجن مع آبائهن، وهو لا يخرج معي إلا نادرا، أليس هذا من حقي؟ وإذا حدثت معه مشكلة، أو خسر في التجارة، يقلب جو البيت إلى نكد، لا أدري ماذا أفعل بهذه المشكلة، ساعدوني.
أيضا أنا اجتماعية جدا، وأحب مخالطة الناس، وتكوين الصداقات، ولكني ألاحظ أني عندما أكون طيبة زيادة مع الآخرين، فإنهم يستغلونني، ويجرحونني، ويؤذونني بألسنتهم، مما يحزنني وأحيانا أبكي، ولا يحاولون إصلاح العلاقة حتى تنتهي، حتى معلماتي، منهن إذا أظهرت لها كامل الحب والاحترام، تغضب مني بلا سبب.
وأنا -الحمد لله- متفوقة في دراستي، أغلب الزميلات اللاتي صادقتهن تركنني، لدي صديقة واحدة أو اثنتان تبادلاني الإحسان بالإحسان، وأنا أحب الله جدا، وكان همي أن أسعد الناس، حتى يسعدني الله ويرضى عني، ولكن ليس كل الناس تستحق هذه الطيبة، لذلك أريد أن أضع حدودا لعلاقاتي، وأكون رسمية في التعامل مع الناس، حتى أحافظ على علاقاتي، وحتى المقربين مني، سأكون حذرة معهم، ولكن أريد منكم النصيحة، فكيف أكون رسمية مع الآخرين؟
وجزاكم الله خيرا على هذا الموقع الرائع.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هيا حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشاطرك الشعور بالإحباط عندما لا يخصص والدك وقتا جيدا لك، ولا يخرج معك في نزهات خارج المنزل، وإذا خرج فإنه يصبح مشغولا أيضا، ومع ذلك، هناك خطوات يمكنك اتخاذها لتعزيز العلاقة بينك وبين والدك.
1. حاولي أن تتحدثي مع والدك بصراحة حول مشاعرك ورغبتك في قضاء وقت معه، اعرضي عليه فكرة الخروج سويا للنزهة، أو القيام بنشاط مشترك تستمتعان به، وأبدي اهتمامك بالوقت الذي تمضينه معه، وأظهري أنك تودين تعزيز العلاقة بينكما.
2. اقترحي على والدك تخصيص وقت منتظم في الأسبوع أو الشهر، للقيام بنشاط مشترك، قد يكون ذلك يوما معينا من الأسبوع للخروج في نزهة، أو القيام بنشاط تستمتعون به سويا كأسرة.
3. إذا كان لديك وقت مخصص للعائلة، مثل العشاء معا، حاولي جعل هذا الوقت مميزا ومفعما بالإيجابية، قد تقومي بطرح أسئلة للتحدث عنها، أو تنظيم أنشطة تجمعكم وتعزز التفاعل والتواصل.
4. حاولي فهم اهتمامات والدك، وقد تكون محاولة القيام بنشاط يتعلق به أمر إيجابي، إذا كان لديه هواية أو نشاط محدد يحب القيام به، قد تكون دعوته لمشاركتك في هذا النشاط فرصة لتعزيز العلاقة بينكما، صحيح أن اهتمامه ينصب على أعماله التجارية أساسا، لكن يمكن العثور على مدخل حتى في مثل هذه القضايا المعقدة.
5. عليك بالصبر والتفهم، فكما تعلمين فوالدك مشغول بتوفير احتياجاتكم، صحيح أنه قد يبالغ في ذلك كثيرا، وتكون على حساب العلاقات الاجتماعية والعلاقات الأسرية، لكن هذا يتطلب منك أن تتفهميه وأن تعذريه.
ونشكر لك حرصك وطاعتك لوالديك، وقد ظهر هذا جليا في فحوى رسالتك، ونرجو أن تكوني ممن طبق هذه الآية الكريمة: ﴿وقضىٰ ربك ألا تعۡبدوۤا۟ إلاۤ إیاه وبٱلۡو ٰلدیۡن إحۡسـٰناۚ إما یبۡلغن عندك ٱلۡكبر أحدهماۤ أوۡ كلاهما فلا تقل لهماۤ أف ولا تنۡهرۡهما وقل لهما قوۡلا كریما﴾ [الإسراء ٢٣].
أما بالنسبة لسؤالك الثاني، فهو يتعلق بالحفاظ على حدودك وعلاقاتك مع الآخرين، وهنا بعض النصائح التي قد تساعدك:
1. اكتشفي قيمك واحتياجاتك الشخصية، اعرفي ما الذي يجعلك سعيدة، وما الذي يجعلك غير مرتاحة، وضعي حدودا صحية لحماية نفسك.
2. حددي ما تشعرين به مناسبا لك، وما لا ترغبين فيه في علاقاتك مع الآخرين، قد تشمل هذه الحدود الزمنية، والمساحية، والعاطفية، والاجتماعية.
3. عندما تحتاجين إلى وضع حدود مع الآخرين، تحدثي بوضوح وصراحة معهم، عبري عن احتياجاتك ومشاعرك بطريقة محترمة وصادقة، استخدمي "أنا" بدلا من "أنت" لتجنب الاتهامات، إذا كان الوقت لا يناسبك فقولي: الوقت لا يناسبني، أو المكان لا يناسبني.
4. حددي وقتا لنفسك ولأنشطتك الشخصية المهمة، لا تترددي في رفض الالتزامات التي تعرقل قدرتك على الاهتمام بنفسك ومناسباتك الشخصية.
5. قد يحدث أن يرفض الآخرون طلباتك أو يختلفوا معك في الرأي، تعلمي كيف تتعاملين مع الرفض بشكل بناء، وكيف تتقبلين آراء الآخرين دون أن تتأثري سلبا بشكل كبير.
6. كما تحتاجين إلى حدودك الشخصية، كذلك يحتاج الآخرون إلى حدودهم الشخصية، احترمي حدودهم واعتبري ذلك جزءا من التعاطف والاحترام المتبادل.
7. اهتمي بالعلاقات الصحية، ونعني بها أن تختاري صديقات صالحات، وأن تبتعدي عن الصديقات السيئات، فقد ورد عن النبي ﷺ وسلم أنه قال:"إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا منتنة". متفق عليه.
نسأل الله أن يصلح أمرك، وأن يشرح صدرك.