كيف أوازن بين نصيبي من الدنيا وعملي للدار الآخرة؟

0 45

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا أعاني من فرط التفكير في المستقبل، وأفكر كثيرا في يوم القيامة وعلامات الساعة التي ظهرت، والتي لم تظهر بعد، وفي حالنا في آخر الزمان، وخاصة بعد كثرة الزلازل مؤخرا، وفي أنني لا أملك من العمل الصالح ما يؤهبني للقاء ربي، وأصبحت كثرة التفكير تنغص علي حياتي فلا أستطيع العيش بشكل طبيعي، لا أستطيع المذاكرة ولا حتى الجلوس مع أهلي أو أصدقائي، أو ممارسة هواياتي المفضلة دون ضيق أو شعور بتقصير.

أصبحت لا أشعر بالسعادة من أي شيء؛ لأنني أعلم مصير كل شيء في النهاية، كما أنني أتأثر بهذا جسديا؛ لأنني مصابة بالقولون العصبي، وأصبحت لا أستطيع النوم.

رجاء أن تساعدوني كيف أعود لحياتي الطبيعية؟ وكيف أوازن بين عيشي في الدنيا وعملي للآخرة، وأكون راضية عن نفسي؟

وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ر.ع حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لك دوام الصحة والعافية.

أولا: نحمد الله أنك تفكرين في يوم الحساب، اليوم الذي لا بد منه، ولقد جاءت كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بالتذكير به والاستعداد له، وأن الإنسان ليس مخلدا في هذه الدنيا، وكذلك أن يشعر الإنسان تجاه ربه، وأنه لا يستطيع أن يجازي المولى عز وجل بما أنعم عليه من النعم والخيرات، فهذا أيضا تفكير محمود.

فنقول لك أختي الكريمة: الدنيا دار عمل، والآخرة دار جزاء، والتوازن حقيقة هو أن يكون قلب المؤمن بين الخوف والرجاء؛ لأن الاختلال يحدث إذا رجحنا جانب الخوف على جانب الرجاء، والعكس صحيح، وفي هذا الصدد لا بد أن نتذكر رحمة الله بعباده، وهو سبحانه وتعالى سمى نفسه الرحيم واللطيف والودود، ورحمته سبقت عذابه.

فالإنسان في هذه الدنيا ممتحن ومختبر، والكيس كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني)، وليس معنى ذلك أن يعيش الإنسان في هذه الدنيا راهبا منعزلا لا تهمه الدنيا، بل عليه أن يجعلها مطية للآخرة، وأن تكون عاداته عبادات بالنية الحسنة، فإذا اجتهدت في جمع المال مثلا: لغرض تعمير الأرض، ودفع الزكاة، ومساعدة المحتاجين، أو أدى ما عليه من واجبات وظيفية، وقضاء حوائج الناس الذين يطلبون منه خدمة معينة، أو ساعد في إنقاذ إنسان أو حيوان بعلمه وبمعرفته؛ لا شك أنه ينال ثواب الدنيا والآخرة بحسن نيته، كما أن الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا.

فإحسانك للآخرين هو الذي يشعرك بالسعادة، والمؤمن لا يقنط من رحمة الله حتى وإن كان مذنبا ومقصرا، كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}، وقال: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات}.

وما بالك بقصة الرهط من الصحابة الذين جاءوا إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم ‌تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟! قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني. [صحيح البخاري].

هكذا -أختي الكريمة- ينبغي التوازن بين العيش في الدنيا والعمل للآخرة، فاعملي ما تستطيعين من العبادات، وتذكري أن رحمة الله واسعة، ولا تشغلي نفسك كثيرا بالتفكير، إنما استفيدي من وقتك فيما هو أنفع لدنياك وآخرتك، وأكثري من الدعاء، وقول: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات