تفكير مفرط ولوم للذات جعلاني أكره نفسي!

0 35

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة أعاني من التفكير المفرط، وألوم نفسي على أبسط المواقف، أي موقف يحصل لي مع أي شخص دائما أحس أنني المخطئة، وأنه يجب علي أن أعتذر، ودائما أفكر في الماضي وأخطائي، تعبت من هذا الوضع، وبسببه تركت صلاتي وانعزلت عن الناس، لم أذق طعم السعادة منذ 2021، عندما يستمتع الجميع في أي مناسبة أظل أفكر أنا في المواقف التي حصلت لي، ومستواي الدراسي في الحضيض، وأيضا عاقة لوالدي؛ لأنني عندما أفكر ويأتي أحد ليكلمني أنفجر غضبا في وجهه.

أصبحت أفكر في الانتحار لشدة كرهي لنفسي، ووصل بي الأمر أنني في بعض الأحيان أفكر أن الله يظلمني -أستغفر الله-، وأن الله يكرهني، وأصبح الموت في نظري نعمة، وأحسد كل الناس، وأحسد من ماتوا، وأتمنى لو كنت مكانهم.

تعبت نفسيا وجسديا ومنذ خمسة أشهر وفكرة الانتحار لا تفارق ذهني، لا أعلم ماذا أفعل؟ أتمنى أن تساعدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ دعاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك بنتنا في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، وندعوك إلى الحرص على التأدب عندما تتحدثين عن الكبير المتعال، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يردك إلى الحق والإيمان والصواب، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

أرجو أن تعلمي أن هذا التفكير الزائد واللوم للنفس لا يرد شيئا، والبكاء على اللبن المسكوب لا يمكن أن يعيده، وثقي بأن مشوار التصحيح يبدأ بصدق الإيمان بالله والسجود له سبحانه وتعالى، فالصلاة أمان وطمأنينة في الأرض. ومهما حصل للإنسان من مواقف مرة أو مواقف صعبة، فإن الإنسان إذا آمن بالله تبارك وتعالى ورضي بقضاء الله وقدره واستبشر بأن القادم خير؛ فإن هذا يغير عنده هذه الأمور، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، أو أصابته ضراء صبر فكان خيرا له).

فكوني يا بنتنا مؤمنة، وتعوذي بالله من المشاعر السالبة، وابدئي رحلة التصحيح بتصحيح الإيمان، ثم بالسجود للرحمن، ثم بمخالفة النفس في هواها وضلالها، ثم بمخالطة الصالحين من محارمك والصالحات من عموم النساء، لأن الفتاة ينبغي أن تكون إلى جوار محارمها، أو إلى جوار أخواتها من الصالحات من جمهور النساء.

وأحب أن أؤكد لك أيضا أن محاولة الأهل الاقتراب منك ينبغي أن تقبليها، ولا تشتميهم، ولا تصرخي عليهم، وتعوذي بالله من المشاعر السالبة، واعلمي أن المنتحر يخسر الدنيا ويخسر الآخرة. فأرجو أن تطردي هذه الفكرة جملة وتفصيلا، واعلمي أنه لا ينبغي لأي إنسان مسلم مؤمن تمني الموت، لا يتمناه أي إنسان لضر نزل به، ولكن ينبغي أن يقول: (اللهم أحيني إن كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي)، وتذكري أيضا أن خير الناس من طال عمره وحسن عمله. ويا بنتنا:
ولو أنا متنا تركنا ** لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا ** ونسأل بعدها عن كل شيء

ليست القضية هي أن يموت الإنسان، ولكن القضية ماذا بعد الموت؟ ولذلك أرجو أن تعملي لما بعد الموت، والموت ليس نعمة، لا يوجد إنسان يتمنى الموت، وحتى أصحاب البلايا، وأنت لم تصلي إلى هذه المرحلة، والحمد لله فأبواب الخير مفتوحة، وها أنت تتواصلين من بعد على موقع شرعي، تسمعين النصائح والتوجيهات، فأنت في مقام بناتنا وأخواتنا، وأنت غالية، فاعرفي قيمة هذه النفس، ومن معرفة قيمة النفس: أن نشغلها بالطاعة لله تبارك وتعالى؛ لأن النفس غالية ما ينبغي أن تشغل إلا لما خلقت لأجله، قال ربنا العظيم: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} فإذا لم يعرف الإنسان الهدف الذي خلق من أجله، سيجد أن الحياة بلا قيمة ولا معنى، لماذا؟ لأنه باختصار لم يعرف لماذا وجد على هذه الأرض.

وتجنبي التفكير السالب في أن الله يظلمك أو أنه يكرهك -سبحانه وتعالى- {إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون}، والحمد لله أنك تستغفرين، فالله تبارك وتعالى يحبك ويريد لك الخير، ولحبه لنا سبحانه وتعالى أنزل علينا الكتب، وأرسل إلينا الرسل، يريد لنا الهداية، يريد لنا الخير، ومن الخير الذي أراده الله لك أن دفعك لأن تتواصلي مع موقع شرعي ليحذرك من الإساءة في الألفاظ عندما تتحدثين عن الله العظيم، ليحذرك من ترك الصلاة، ليدعوك لبر الوالدين، ينهاك عن مجرد التفكير في مسألة الانتحار، لأن الذي ينتحر – والعياذ بالله – يخسر الدنيا والآخرة، فثقي بالله عز وجل، واستقبلي الحياة بأمل جديد وبثقة في ربنا المجيد.

ونحن من هنا نقول: مرت علينا مواقف صعبة، ناس تعرضوا لأشياء صعبة؛ لكنهم صبروا وصابروا ورابطوا، وتوجهوا إلى الله، فكانت العاقبة للصابرين، وربحوا في آخر المطاف. وأنت ولله الحمد أمامك عمر تستطيعين أن تفعلي فيه الكثير. فنسأل الله أن يعينك على الخير، وأن يلهمك السداد والرشاد، ونكرر دعوتنا لك إلى الصلاة، والتأدب مع الله تبارك وتعالى، وعمارة القلب بالإيمان، وبر الوالدين، وأيضا تجنب الأفكار السالبة، والإكثار من ذكر الرحمن، وكلما ذكرك الشيطان بمواقف سالبة أو بتجارب مرة تعوذي بالله من شره، وتذكري أن قصد هذا العدو أن يحزن الذين آمنوا، ولكن {وليس بضارهم شيئا}.

نسأل الله أن يردك إلى الحق والصواب، وأن يصلح لنا ولكم الأحوال، هو ولي ذلك والقادر عليه.

مواد ذات صلة

الاستشارات