السؤال
السلام عليكم
مشكلتي تتمثل في أنني أعاني خلافات حادة مع والدي، فلقد قام والدي باستخدامي في كثير من الأمور، منها تحقيق تفوق دراسي لمصلحته الخاصة، كالتباهي، ومن ثم بعد أن حقق مراده تركني في تعليمي الجامعي دون مصروفات، وحدث أن فشلت وأصبحت راسبا بعد أن كنت متفوقا.
تعهد لي أبي بكثير من الأمور، لكنه لم يف بعهده، وكثيرا ما استغل ثقتي به ثم يخونني، تركت المنزل وتدمرت حياتي، ومرت السنوات، وهم يفرقون في المعاملة بيني وبين أخي، ويعاملونني بسوء أنا وأخي الثاني.
يفضلون أخي الذي ينافقهم، يدعون العدل والمساواة، ولا يحدث ذلك، ولو كنت الابن الوحيد الذي يشكو من سوء معاملتهم لي؛ لكنت قلت إن العيب مني، ولكني لست الوحيد.
مرت سنوات ولم يعطونني أي حقوق، لم يتقدموا معي لكي أتزوج، رغم استطاعتي المادية، بحجة أن العروس لا تعجبهم، وحين تقدم عمري وصار الناس يسألونهم عني، يقولون لي: لماذا لا تتزوج؟ لا أقول إني ملك بريء، فحين دمرت حياتي وخسرت كل شيء، أيقنت أنني إذا استمررت في بر الوالدين وطاعتهم ستدمر حياتي.
لذلك صرت أعاملهم بسوء، وحينها تحسنت حياتي، أنا من طفولتي وأنا ابن بار بهم، ولكنهم ظلموني بعدها ودمروا حياتي، ثم قالوا لي: نصلح ما بيننا! ووثقت بهم ودمروا حياتي ثانية وثالثة، فمن الاستحالة برهم، وبرهم يعني دمار حياتي، وأنا لا أسأل عن برهم، بل أسأل كيف إن وقفت أمام الله يوم القيامة يسألني عنهم، ماذا أنا فاعل؟
أحقا وجب علي برهم وأدمر حياتي، أم أتركهم؟! هل يجب البر كرها وإجبارا في حالة إذا كان الأهل يؤذونني؟ هل يصح لي مقاطعتهم حتى أسلم من شرهم، وإن احتاجوني يجدونني فقط؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يعينك على بر الوالدين والصبر عليهما، ونؤكد أن الصبر على الوالدين من أوسع أبواب البر، وأيضا أرجو أن تعلم أن بر الوالدين لا يمكن أن يؤدي إلا إلى الخير، وليس معنى البر أن يطيعهم الإنسان في الأمر الذي فيه معصية لله، أو الأمر الذي ليس فيه مصلحة، ولكن من المهم أن نطيعهم في كل أمر في طاعة لله، وفيه خير ونفع، أما بقية الأمور التي فيها ضرر؛ فيكفي أن نحسن فيها الاستماع، واحترامهم إذا تكلموا، ثم نفعل بعد ذلك ما فيه رضا الله، وما يحقق المصلحة.
اعلم أن تقصيرهم في القيام بحقك، لا يبيح لك التقصير، لأن البر عبادة لله تبارك وتعالى، الذي يقصر من الوالد أو الأم الذي يقصر يحاسبه الله، ونحن نلقى الله أفرادا، والذي يحسن يجازيه الله، ولذلك تقصير الوالدين في حقك، وتقديم الآخرين عليك؛ هذا خطأ منهم لا يبيح لك أن تخطئ، لأن الذي يحاسبك ويحاسبهم هو الله، فالبر عبادة لله تبارك وتعالى، وإذا اتضح عندك هذا الأمر فستتغير المفاهيم كاملة.
إن أمروا بطاعة الله فعجل بها، وإن أمروا بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإن طلبوا أمرا ليس فيه مصلحة فكن مستمعا جيدا، وافعل ما لا يتحقق لك فيه ضرر، أو ما لا يجلب لك أي نوع من الضرر، وقد أرضاك من أحسن الاستماع إليك، واستمع إليهم بأدب، وتذكر أنهم والد ووالدة، وأنهم ليسوا لك قرناء، وأننا نؤجر على صبرنا عليهم، وإذا قام الإنسان بما عليه من البر، وقصر الوالد أو لم تعترف الوالدة، أو لم يعترفوا له ببره؛ فهذا لا يضره لأن الثواب عند الله كامل.
لذلك بعد آيات البر ستجد قول الله في سورة الإسراء: (ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوبين غفورا)، قال العلماء هذه في حق من يقوم بما عليه، ويجتهد في البر، ويجتهد في الإحسان، ومع ذلك يجد صدودا أو رفضا أو نكرانا لما يقوم به من والديه، هذا لا شيء عليه، لأن الله لا تخفى عليه خافية، فقم بما عليك ولا تبال.
مسألة الزواج أيضا لا تنتظر منهم كل شيء، واجتهد في أن تبحث عن الفتاة المناسبة من الأسرة المناسبة، ثم بعد ذلك اطلب منهم أن يكملوا المشوار، وأن يكملوا معك هذا الطريق، ولا تنتظر اختيارهم، لأنك صاحب المصلحة، وحقيقة ستكون سعيدا إذا وجدت الفتاة التي تعجبهم وتعجبك، بمعنى أن الوالدة تستطيع أن تتعايش معها، وأنت تسعد معها، لأن هذا يعينك على أداء الواجبات تجاه الأسرة، وتجاه الزوجة، فالشريعة التي تأمرك ببر الوالدين هي الشريعة التي ستطالبك بالإحسان للزوجة، والوفاء لها والقيام بواجباتها.
نتمنى أيضا ألا تنشر لهم الكره أو عدم البر، ودائما تحرص على أن تؤدي ما عليك، كما هي وصية النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: (تؤدون الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم)، وعليه فلا مجال للمقاطعة ولكن تفاد الأشياء التي تجلب لك الشر والضرر.
اجتهد دائما في أن تقوم بما عليك تجاههم، خاصة إذا مرضوا أو احتاجوا، وأن تقول إن احتاجوا يجدونني عندهم، نريد أن يجدوك عندهم مسارعا حريصا على أن تلبي لهم كل ما يحتاجون.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على البر، وأن يصبرك على هذا الذي يحدث، ونبشرك بأنك على خير، والجنة مهرها غال، نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.