السؤال
السلام عليكم
أنا طالب في الكلية، وبسبب الضغوطات أصبت باضطراب الهلع، وما زلت أتناول علاج إسيتالوبرام، أصبح عندي خوف كبير من ركوب السيارات، خصوصا أن هذا العام وحده تعرض أربعة من الطلاب في كليتنا لحوادث المرور، ثلاثة منهم توفوا -رحمهم الله-، واحدة من دفعتي، والآخرون من الدفعة التي تسبقنا؛ وذلك بسبب سوء الطرقات والقيادة المتهورة.
بلادنا تشهد نسبة عالية جدا من حوادث المرور، بسبب سماع هذه الأخبار أصبح لدي خوف كبير من ركوب السيارات، فقط أتنقل عن طريق القطار.
أصبح والداي يضغطان علي، ويقولان إن خوفي غير مبرر، ومستاءان من تفكيري.
أنا كذلك وعلى الرغم من أني منذ عدة أشهر أتناول العلاج، أشعر باستياء من نفسي؛ كوني ما أزال لدي هذا التفكير، وأصبح لدي تفكير زائد لا أعرف إذا كان تصرفي في عدم ركوب السيارات أخذا بالأسباب حماية لنفسي، أم لقلة إيماني بالقضاء والقدر؟!
الأمر فعلا يزعجني! أرجو أن تساعدوني، لكي أحل مشكلتي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ لحسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد.
أخي الكريم: التنافر أو تجنب الذي حدث لك من ركوب السيارة هو أمر مسبب، فوفاة هؤلاء الشباب الثلاثة - عليهم رحمة الله - وأنت على معرفة بهم؛ كانت هي نقطة الانطلاق لبناء ما نسميه بقلق التجنب، وهو نوع من الرهاب، يتجنب الإنسان من خلاله مواقع أو مواقف أو أفعال معينة.
إذا التفسير النفسي للأمر واضح جدا، وأنت - كما تفضلت - أصلا لديك القابلية لقلق المخاوف، فأنت تحت العلاج من نوبات الهلع.
أنا أقول لك يا أخي: الإنسان يعالج خوفه من خلال تصحيح مفاهيمه، تسيطر عليك فكرة واحدة، وهي أن تجنب ركوب السيارة سوف يجنبك الحوادث مثلا.
أخي الكريم: هذا النوع من التفكير تفكير محصور جدا وسلبي جدا، السيارة جزء من حياتنا، وحين نتأمل في هذه السيارات وما تقدمه لنا من نفع عظيم حينها يكون التفكير إيجابيا، فلا نتجنبها، الإنسان حين يفهم قيمة الشيء يقترب منه، لا يتجنبه.
وهؤلاء الشباب هذه هي أعمارهم وآجالهم، وهذا هو قدرهم الذي قدر لهم، وعسى الله أن يجعلهم شهداء، وعسى الله أن يغفر لهم، هذا عمرهم، انقضت أيامهم في الدنيا، ونسأل الله لهم الرحمة والمغفرة، وعليك بالدعاء لهم، وعليك أن تسأل الله العافية وحسن الخاتمة.
هذا هو المطلوب، وأخضع الأمر للمنطق، بمعنى أن تجنبك للسيارة ليس منطقيا، لكن أتفق معك أنه من الضروري للإنسان أن يتحوط، إذا كان قائدا للسيارة يجب أن يلتزم بضوابط المرور، ويجب أن تكون السرعة معقولة، ويجب أن يكون هناك انتباه كامل، وألا يستعرض الإنسان بالسيارة، وكثير من الدول الآن فيها إشكالات مرورية كبيرة.
فيا أخي الكريم: هذا هو الذي أراه، وإن كنت تركب مع آخرين، أو كنت أنت قائدا للسيارة احرص على دعاء الركوب: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون) ويمكن كذلك أن تدعو بالذكر المأثور: (اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)، هذه الأدعية عظيمة جدا، وتبعث الطمأنينة في النفس، لكن بكل أسف الكثير من الناس يغفلون عنها أو يتجاهلونها أو لا يهتمون بها، وبكل أسف البعض لا يؤمن بقيمتها، هذا الدعاء يجعلك مطمئنا تماما.
فيا أخي الكريم: ابدأ تدريجيا بركوب السيارة، توكل على الله واستعن به، واعلم أن الله خير حافظا، واعلم أن الإنسان {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله}، اركب أولا مع سائق جيد مثلا، مسافات قصيرة، ثم انتقل بعد ذلك إلى ركوب السيارة العادي، واركب المواصلات العامة، ودائما عليك بدعاء الركوب، وأن تسأل الله أن يحفظك وأن يكون عند ناظريك.
هذه هي نصيحتي لك، والاسيتالوبرام دواء رائع جدا، ويجب أن تأخذ الجرعة الكلية، وهي عشرون مليجراما يوميا، كما أنصحك بتطبيق تمارين الاسترخاء، تمارين التنفس المتدرجة، مفيدة جدا لامتصاص الخوف والقلق، وأريدك أيضا أن تتفاعل اجتماعيا، تقوم بالواجبات الاجتماعية، تشارك الناس في مناسباتهم، تمارس كرة القدم الجماعية، تنضم لحلق القرآن الكريم، هذا مهم جدا؛ لأن قلق المخاوف ينتقل، مثلا: نوبة هلع تتحول من خوف من السيارة إلى خوف من المرتفعات إلى خوف من التجمعات ... وهكذا، يجب أن تؤهل نفسك تأهيلا كاملا لتتجنب هذه المخاوف.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.