هل الوسواس عقاب أم بلاء؟

0 29

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ابتلاني الله بالوسواس القهري، وأتناول دواء، وقد أصابني الوسواس بقسوة القلب، فهل الوسواس القهري عقاب أم بلاء؟ وهل كثرة الذكر تذيب القسوة ويزول الوسواس؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

أيها -الفاضل الكريم-: الوساوس القهرية هي إحدى العلل التي تصيب الناس، وهي مرض مثل بقية الأمراض، -وإن شاء الله تعالى- يتم علاجه تماما، وهنالك وساوس طبية، وهي معظم الوساوس، وهناك الوساوس الخناسية، وكلها تعالج بصورة ممتازة جدا.

ويا -أخي الكريم- تجد الإجابة على استفسارك في الحديث النبوي الذي ورد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه"، فالحديث واضح جدا أيها -الفاضل الكريم-، فكل علة يصاب بها المسلم هي -إن شاء الله تعالى- فيها خير كثير له، والإنسان يجب أن لا يستنكر ولا يرفض، ولا يحتج، ولا يصاب بأي نوع من الشعور السالب، أو الاستنكار حيال هذه الابتلاءات، هو ابتلاء بسيط جدا، والمؤمن يبتلى حسب قوة إيمانه، ونحسبك -إن شاء الله تعالى- من المؤمنين.

أيها -الفاضل الكريم- هنالك أمر لا بد أن ننبه له، وهو أن الإنسان يجب أن يتقدم للعلاج، فما جعل الله من داء إلا وجعل له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله، والسكوت عن الأمراض أو قبولها أو التعايش معها أمر خطأ، لا يقره الشرع ولا يقره العلم، ولا نقره نحن في علوم الصحة النفسية والسلوك، وسيفيدك -إن شاء الله تعالى- أحد المشايخ من إسلام ويب حول هذا الموضوع.

الوسواس يمكن علاجه، وهنالك علاجات طبية ممتازة جدا، والوساوس لها عدة أنواع: فهنالك وساوس دينية، وهنالك وساوس ذات طابع جنسي، وهنالك وساوس ذات طابع عنفي، والوساوس قد تكون أفكارا، أو أفعالا، أو طقوسا، أو اندفاعات، أو مخاوف، أو شكوكا كثيرة جدا، وكلها تعالج بصورة فاعلة جدا.

وأرجو أيها -الفاضل الكريم- أن تذهب إلى الطبيب النفسي ليضع لك الخطة العلاجية، فالوساوس تعالج سلوكيا من خلال:

أولا: أن لا تحاور الفكرة إن كانت فكرة، ولا تناقشها، إنما تحقرها وترفضها.

ثانيا: أن تستبدل الفكرة بفكرة مخالفة لها تماما، فكرة طيبة جميلة مقبولة، وهذا نسميه بصرف الانتباه.

والعلاج السلوكي الثالث: هو ما يسمى بالتنفير؛ أن تربط هذا الوسواس بشيء منفر غير مقبول للنفس، مثلا: تقوم بالضرب على يدك بشدة وقوة على سطح صلب -كالطاولة- حتى تحس بالألم، وتربط ذلك بالوسواس، وتكرر هذا التمرين سوف يضعف الوسواس.

كما أن الإنسان يجب أن يهتم بإدارة وقته، وأن يكون فاعلا، فالطالب يجتهد في دراسته، والعامل يجتهد في مصنعه، والموظف في مكتبه، وهكذا.

الفعاليات تساعد كثيرا، كما أن الأدوية فاعلة جدا، وهنالك أدوية كعقار فافرين، ويسمى علميا فلوفكسمين، من الأدوية الطيبة، ممكن أن تبدأ في تناوله بجرعة 50 مليجرام ليلا لمدة 10 أيام، ثم اجعلها 100 مليجرام ليلا لمدة شهر، ثم اجعلها 200 مليجرام ليلا لمدة ثلاثة أشهر، ثم 100 مليجرام ليلا لمدة شهرين، ثم 50 مليجرام ليلا لمدة شهر، ثم 50 مليجرام يوما بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم تتوقف عن تناوله.

الوسواس أيها -الفاضل الكريم- لا علاقة له بقسوة القلب أبدا، على العكس أصحاب الوساوس دائما من الناس الطيبين والفاعلين، وتجدهم بعيدين جدا من محيط الإجرام، وارتكاب المخالفات.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.. وبالله التوفيق والسداد.

____________________________________________
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-،
وتليها إجابة الشيخ/ أحمد سعيد الفودعي -مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
___________________________________________

مرحبا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

نشكر لك تواصلك مع الموقع، ونسأل الله تعالى أن يصرف عنك كل سوء ومكروه.

وقد أفادك -الأخ الفاضل- الدكتور/ محمد بما ينفعك -إن شاء الله- من الناحية الطبية، وهو كلام نفيس ومفيد، نأمل -إن شاء الله- أن تأخذه مأخذ الجد، وأن تسعى لتعمل بما فيه من توجيهات ونصائح، ونزيد من الناحية الشرعية -أيها الحبيب- أن نذكرك:

بأن الإنسان -كل إنسان- عرضة للخطأ والزلل، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)، وقد أمر الله تعالى جميع المؤمنين بالتوبة، فقال سبحانه وتعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}.

وهذه النصوص من القرآن والسنة تبين لنا حقيقة هذا الإنسان، وأنه لابد وأن يقع في الخطيئة والذنب، وإنما يتفاوت الناس في ذنوبهم، ويتفاوتون أيضا في سرعة توبتهم ورجوعهم إلى الله تبارك وتعالى، ومن ثم فإن ما يصيب الإنسان إنما هو كفارة لذنوبه إذا كانت له ذنوب وسيئات، وإن لم تكن له ذنوب وسيئات؛ بأن كان قد تاب وقبلت توبته؛ فإنما يصيبه رفعة لدرجاته، وزيادة في حسناته.

ولا ينبغي للإنسان المسلم أن يقف طويلا عند هذه الجزئية ليتساءل هل ما أصابه هو من قبيل التطهير من الذنوب والتكفير لها أو هو من باب رفعة الدرجات؛ فإن هذا لا يفيد كثيرا، وإنما الذي ينبغي للإنسان أن يبادر إليه وأن يسعى إليه القيام بما يطلب منه بعد نزول هذا البلاء:

أولا: الصبر والاحتساب، حتى لا يفوته ثواب هذا الابتلاء.

ثانيا: الأخذ بأسباب دفع هذا البلاء؛ فإن الأقدار يدفع بعضها بعضا، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما أنزل الله داء إلا وأنزل له دواء)، وقال: (تداووا عباد الله)، وكما جاء في الأثر: (نفر من قدر الله إلى قدر الله).

وقد أفادك الأخ الفاضل الدكتور محمد بنصائح في هذا الصدد، من قبيل التداوي ودفع الأقدار، ونزيدك - أيها الحبيب - : التذكير بالدواء الشرعي لهذه الوساوس وما جعله النبي صلى الله عليه وسلم دواء قالعا لها، وهي ثلاث نصائح نبوية نكثر دائما التذكير بها لمن أصيب بشيء من الوساوس، ومن أهمها بلا شك:

الإعراض عن هذه الوساوس وعدم التفاعل معها، بأن يشغل الإنسان نفسه بشيء نافع، سواء مما ينفعه في دينه أو ينفعه في دنياه. وأن يصرف ذهنه عن التفكير في هذه الوساوس وعن الاسترسال معها، فهذا الدواء دواء قالع لهذه الوساوس -بإذن الله-.

والدواء الثاني: الإكثار من ذكر الله تعالى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوصي من أصيب بشيء من الوساوس: (وليقل آمنت بالله)، فالإكثار من ذكر الله تعالى سبب أكيد في دفع هذه الوساوس، فإن هذه الوساوس بعضها مصدرها الشيطان، والشيطان يخنس -أي يفر ويهرب- إذا ذكر الله تعالى، فأكثر من ذكر الله تعالى، وداوم على قراءة القرآن، ولازم الأذكار الموظفة خلال اليوم والليلة، أي الأذكار الموزعة على ساعات الليل والنهار، كأذكار الصباح والمساء، والنوم والاستيقاظ، ودخول الخلاء والخروج منه، والأذكار بعد الصلوات، ومن أشرف الذكر بلا شك قراءة القرآن.

والدواء الثالث هو: اللجوء إلى الله تعالى عندما تهاجمك هذه الوساوس بطلب الحماية والاستعاذة، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فليستعذ بالله ولينته)، فهذه وصيته لمن أصيب بشيء من الوسوسة.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يصرف عنك شرها، ويعجل لك بالعافية منها.

مواد ذات صلة

الاستشارات