السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب في بداية العشرينيات، مررت بفترة نفسية صعبة يملؤها الوحدة والعزلة في فترة ١٦ - ١٩ عاما، حتى دخلت الجامعة وبدأت حينها شخصيتي بالتغير.

أنهيت دراستي الجامعية بعدد قليل جدا من الأصدقاء، مع رغبتي في ذلك الوقت بأن أكون الكثير من العلاقات، ومع انتهاء فترة الجامعة فقدت التواصل مع معظم أصدقائي، ولم يتبق منهم سوى صديقين فقط.

أنا الآن أعمل بوظيفة جديدة، مضى على وجودي فيها حوالي شهر، أجد صعوبة بالغة في الانخراط في هذه البيئة وتكوين صداقات وزملاء عمل على الأقل، مع العلم أنني أحاول التحدث معهم أحيانا، وأجد بعض المواضيع، لكن سرعان ما ينتهي الحديث بيننا، ما أقصده هو فقداني لاستمرارية المحادثات والتواصل مع من حولي، مع العلم أنني كثيرا ما أحاول الانخراط في التجمعات والجلسات، ولكنني لا أجد أحيانا ما أقول، فأنسحب من الجلسة وأذهب لمحادثة صديق قديم لي.

أواجه مشكلة حقيقية بأنه لا يروقني كل من يعملون معي، ولا أجد أحيانا معهم صفات مشتركة، قد يكون لاختلاف الشخصية، وقد يكون لقلة معرفتي بالمواضيع العامة؛ لأنني في فترة عطلتي من العمل أبقى في البيت، وقليلا ما أخرج مع صديق لي.

سبب كتابتي لهذه الاستشارة هو رغبتي بمعرفة طبيعة الحالة التي أمر بها، هل تحتاج لعلاج نفسي أم لا؟ وهل ما أمر به أمر طبيعي ويزول بمرور الوقت؟ مع العلم أنني أعاني بالفعل من عدم ديناميكية شخصيتي وصعوبة تأثرها بمختلف البيئات، وأحيانا أجلس كثيرا مع نفسي وأشعر بالوحدة والألم.

أرجو من حضرتكم إجابة وافية لمشكلتي، وشكرا جزيلا.

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك -أخي الفاضل- عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال.

أخي الفاضل: دعني أقول بداية إنك لا تعاني من أمر غير طبيعي، أو مرض نفسي أو شخصية غريبة، فكل ما وصفت في سؤالك ينطبق على كثير من الناس.

أخي الفاضل: كان الرأي العام منذ 20 سنة أو أكثر، أن الناس عليهم أن يكونوا اجتماعيين، يحبوا الانخراط بالناس والاختلاط معهم، وأن يكونوا ممن يكثرون الحديث والأخذ والعطاء مع الآخرين، إلا أن هذه النظرة تغيرت في الفترة الأخيرة من خلال العديد من الدراسات والكتب، فالناس صنفان، صنف نعم اجتماعي يحب الاختلاط بالناس وكثرة المعارف والأصدقاء وكثرة الحديث والثرثرة، والنصف الثاني عكس ذلك تماما ممن يؤثرون الوحدة والعزلة والتفكير الهادئ المتأني، وعدم الكلام الكثير، والاختصار على صديق أو صديقين أو ثلاثة.

أخي الفاضل: حاول تقبل شخصيتك كما هي، وأن هذا طبعك -كما ذكرت لك- فكلا الصنفين طبيعي، أما بالنسبة لاختلاطك وعلاقتك بزملائك في العمل، فأنت بدأت منذ شهر فقط فأعطي نفسك بعض الوقت حتى تتعرف على زملائك في العمل ويتعرفوا عليك، وبالتالي تنشأ بينكم علاقة زمالة طيبة -بإذن الله سبحانه وتعالى-، وليس بالضرورة لكل منا أن يكون منسجما مع كل الزملاء الذين يرافقونه في العمل، فالناس أنواع وأشكال كما يقال، ولكن يبقى العمل معهم في الحدود العامة، بما تتطلب المهنة التي أنت فيها، والتي ذكرت أنك تعمل موظفا في المطار، فعليك أن تقوم بعملك هذا بحرفية ومهنية وإتقان، ومن خلال الزمن ستتعرف على أناس آخرين، وتنشأ بينكم علاقة.

أخي الفاضل: نعم إذا لم يكن لديك ما تقوله في حديث ما، فليس بالضرورة أن تغادر الجلسة، أو تقحم نفسك في موضوع لا تجد رغبة بالحديث فيه، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا أنه: من كان يؤمن بالله واليوم الآخرة فليقل خيرا أو ليصمت. فليس هناك حرج أن لا أتحدث في كل موضوع يطرح أمامي.

أخي الفاضل: اسمح لنفسك أن تكون كما أنت، فهذه قاعدة نفسية تقول: كن كما أنت، أي تقبل نفسك كما هي، وأبعد عنك التوتر والقلق بهذا الشأن، ومن خلال الأيام والأشهر والسنين ستجد نفسك أكثر إقبالا على الناس والاختلاط بهم، وخاصة أنك ما زلت في هذا العمر المبكر 21 سنة، أدعو الله تعالى لك أن يشرح صدرك وييسر أمرك، وتكون سعيدا في حياتك.