السؤال
السلام عليكم.
لدينا حالة مرضية في العائلة، ولم نستطع فهم المشكلة، أخي شاب، تجاوز 25 سنة، كان له مشروع يعمل عليه، وكان طيب الحال، هادئا رصينا، لا يعاني من أي مشكلة، منذ ستة أشهر -تقريبا- بدأ يتغير، فقد أصبح يهلوس، ويرى أشياء غريبة، يبكي، ويقول: بأن هناك من ينعته بالكافر، وأنه فاسد، وقد حاولنا تهدئته، لكنه يقول بأنه يرى رسائل تهديد في الهاتف (والهاتف لا يحتوي على هكذا أشياء)!
علما بأنه مواظب على الصلاة، وقليل العلاقات والخروج، لا أصدقاء له، ولا يتعاطى أي مخدر، في وضح النهار يتغير فجأة ويبكي، ويقول بأنه يريد الخروج من البلاد، تتالت الأيام والأشهر، وخفت تلك الحالة بعد أن ذهب في رحلة صغيرة خارج البلاد، فارتاح باله قليلا، لكن هذه المرة عادت له الحالة بعد مرور أكثر من 3 أشهر، وهي الآن أخطر بكثير، فهو كثير الشرود، حتى عند بقائه معنا، ومحب للانعزال، وكثيرا ما يتركنا ويمشي مسرعا، كأن أحدا يناديه، أو أن شيئا قد حدث فنلحقه ونجده واقفا وحده، موجها رأسه إلى السماء، متجها غربا.
والأخطر من ذلك، وما قتلنا خوفا وحيرة، أنه يبدو عليه أنه ينوي، أو مستعد للانتحار، لقد لحقناه مرة في آخر لحظة بتوفيق من الله، وبعد أن فشل شرع في البكاء، وصرح بأنه يرى نفسه فاشلا في كل شيء، ويرجع ذلك لأنه مذنب، أو شيئا كهذا، والأغرب أنه يقول: إن الله سوف يحرقه ويعذبه لأنه ليس مؤمنا، علما بأنه -ما شاء الله- يصلي، ويقرأ القرآن ليل نهار، ويصلي النوافل، وقيام الليل، ويكثر من الصوم، حتى أنه كثيرا ما يبحث "كيف أعلق قلبي بالله"؟
إضافة إلى أنه يعيد كل أعماله فيقول: إن الله لا يقبل منه صلاته، فيعيدها حتى تصل إلى 4 مرات، ولا يمل، وقد بدأنا نفهم أن كثرة صيامه بسبب أنه يعتقد أن الله لم يقبل منه صيام رمضان الماضي!
اختلط علينا الأمر: وسواس، مع كثرة سرحان، وعزلة، وتصرفات غريبة، مع كثرة صلاة وتلاوة، مع نية انتحار! أمره غريب، وقد عجزنا عن فهمه، فأرشدونا -يرحمكم الله- وجعله في ميزان حسناتكم.
لقد عرضناه على راق عدة مرات، كما أنه دائما ما يستمع إلى الرقية من الهاتف، فيهدأ وينام، ولكنه يستيقظ على نفس الحال والنية، فهل ما يعانيه -الأخ- مرض نفسي أم سحر أم مس؟ وكيف العلاج؟ وهل يمكن أن يكون قد صدم بسبب خسارته المشروع، وهذه نتيجة للصدمة؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في استشارات إسلام ويب، وأشكرك على كلماتك الطيبة، وعلى اهتمامك بأمر شقيقك هذا، الذي أسأل الله تعالى له العافية وعاجل الشفاء.
أيها الفاضل الكريم: من الواضح جدا أن هذا الأخ -شفاه الله وعافاه- لديه أعراض نفسية رئيسية، لا يمكن تجاهلها أبدا، وحقيقة ما وصفته بالوساوس قد يكون فيه شيء من الوسوسة، لكن أعتقد أن لديه ظواهر ذهنية -كما يحب أن يسميها العلماء النفسيون، وعلماء الطب النفسي والسلوك-.
من الواضح أنه لديه هلوسات بصرية، وربما تكون لديه أيضا هلوسات سمعية، كما أن شعوره بالذنب الشديد، هذا دليل على إطباق الاكتئاب عليه أيضا، فهو في الغالب يعاني من اكتئاب ذهاني من الدرجة الأساسية، وهنالك تشخيص فارق -التشخيص الموازي، أي احتمالية تشخيصية أخرى- هو أنه يعاني أيضا من الفصام الاكتئابي مع شيء من الوسوسة.
أخي الكريم: لا تنزعج لهذه المسميات أبدا، المهم في الأمر أن يعالج هذا الأخ، وأنا أقول لكم: لا تضيعوا وقتكم أبدا، اذهبوا به إلى الطبيب النفسي، هذا مرض نفسي، نحن نؤمن بالعين والسحر والمس وبكل ذلك؛ لكن هذا الأخ البوادر والعلامات التي لديه تشير إلى أن لديه مرضا نفسيا وذهانيا رئيسيان، ولابد أن يعالج منه.
ولا بأس -أخي الكريم- أن هذا الأخ أيضا يرقى، الرقية الشرعية التي نؤمن أنها تفيد الإنسان، ونحن نؤمن تماما وبصورة جازمة وعلى أسس علمية أن هذه الحالات النفسية متعددة الأسباب، فهنالك العوامل الوراثية قد تلعب دورا، والوراثة لا نعني الأحياء فقط من الأسرة، إنما القدامى أيضا السابقين، ربما أحد كان لديه هذه الأمراض فيما مضى وانتقل المرض، فالعوامل الجينية مهمة، وكذلك الأحداث الحياتية البيئية مثل الذي حدث لهذا الأخ، وكذلك البناء النفسي للشخصية، وربما شيء من السحر والعين، كلها تتضافر مع بعضها البعض وتأتي بهذه الحالات المرضية.
هذا الأخ يحتاج لعلاج نفسي عاجل جدا، يجب أن تذهبوا به إلى الطبيب مباشرة.
الفكر الانتحاري هو فكر متسلط عليه، ليس تحت إرادته، لذا مسؤوليتكم في هذا الجانب كبيرة، وهي أن تعجلوا بالعلاج.
هذا الأخ يحتاج لمضادات الاكتئاب القوية، يضاف إليها أحد مضادات الذهان الفاعلة، والذي أراه ان عقار (سيبرالكس) يضاف إليه عقار (رسبيريدون) ستكون هذه الأدوية المثالية جدا في هذه المرحلة، يمكن أن أذكر جرعة هذه الأدوية:
السيبرالكس - وهو الاسيتالوبرام -تبدأ جرعته بخمسة مليجرام- أي نصف حبة من الحبة التي تحتوي على عشرة مليجرام، يتناولها يوميا نهارا لمدة أربعة أيام، ثم يجعل الجرعة عشرة مليجرام يوميا، ثم يجعل الجرعة عشرين مليجراما يوميا بعد عشرة أيام، أي: يستمر على جرعة عشرة مليجرام عشرة أيام فقط، ويستمر على جرعة العشرين مليجراما كجرعة علاجية ثابتة.
أما العقار الآخر وهو الـ (رسيبريدون) فيبدأ في تناوله بجرعة واحد مليجرام ليلا لمدة عشرة أيام، ثم جعل الجرعة اثنين مليجراما ليلا، ويستمر عليها.
ولابد لهذا الأخ أن يتابع عن طريق الطبيب النفسي، ونحن هنا في إسلام ويب طبعا لن نتخلى عنه أبدا -أخي الكريم- وسوف نفيدكم حسب ما يأتينا منكم من استشارات لاحقة حول حالته، وأرجو -أخي الكريم- بعد أن تذهبوا به إلى الطبيب، أو على الأقل بعد أن تبدؤوا الدواء الذي ذكرته لكم، إن أردتم أن تتحصلوا عليه من الصيدلية دون الذهاب إلى الطبيب؛ فهذا -إن شاء الله- فيه خير أيضا، لكن طبعا الذهاب إلى الطبيب هو الأفضل والأحوط.
يمكنك أن تتواصل معنا، وهذا الأخ يستحق العلاج، ويجب أن يعالج، ويجب ألا يحدث أي تأخير في علاجه، وموضوع العين والسحر والمس قد أفدتك بما هو صحيح وبما هو شرعي، قال -صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله داء، إلا قد أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله)، وقال: (لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله)، وقد أمرنا بالتداوي فقال -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله عز وجل أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء فتداووا)، ولا بأس من المواصلة في الرقية، فهي تفيد في كل الأحوال، وفيها بركة وأجر.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.