قمنا بمقاطعة الأشخاص الذين ظلمونا، فما توجيهكم؟

0 30

السؤال

حكم مقاطعة الأشخاص الذين سجنوا أبي وأخي ظلما، رغم محاولتنا في البداية للصلح معهم قبل أن يسجنوهم، لا نستطيع مسامحتهم، ولا حتي إلقاء السلام عليهم، لظلمهم لنا، هل بذلك لا ترفع أعمالنا إلى الله؟

لي صديقة حصلت بيننا مقاطعة، ولم أكن أكلمها، ولكني ندمت وعزمت إذا رأيتها ثانية أن ألقي عليها السلام، ولكني لم أرها، فهل لا ترفع أعمالي حتي رؤيتي لها والقاء السلام عليها؟ أم توبتي وعزمي يكفي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -بنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يهدي الجميع لأحسن الأخلاق والأعمال، وأن يصلح الأحوال.

لا شك أن الشريعة ترفض أن يهجر المسلم أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، ويشتد الأمر إذا كان هذا الآخر من الأرحام؛ لأن صلة الرحم واجبة، ومع ذلك فإن الإنسان إذا ظلم من إنسان فالكمال أن يحافظ على الحد الأدنى؛ لأن حقه يأخذه من الجهات القضائية، وحقه لن يضيع عند رب البرية.

إذا استطاع الإنسان أن يبقى مع الذين أساءوا بحد السلام والتحية دون أن يتعمق معهم في العلاقة فهذا خير، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).

الإنسان حقيقة إذا كان مظلوما فإن الشريعة أيضا تراعي هذا، {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم}، هاهنا استثناء {إلا من ظلم}، ولكن الآية التي تعقبها فيها صفة العفو، وتحث على العفو الذي هو صفة ربنا العفو سبحانه وتعالى والمسامحة: {إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا}.

الإنسان ينبغي أن ينظر لهذه الأمور نظرة شاملة، فإن صديق الأمة - عليه من الله الرضوان - لما غضب من مسطح بن أثاثة وهو من أقربائه؛ لأنه اعتدى وشارك في الحديث - في حادثة الإفك - عن أمنا عائشة، مع المنافقين بقالة السوء، ولم يكن منهم (حاشاه) ولكنه أدار معهم هذا الحديث، فغضب الصديق منه، وعزم أن يوقف النفقة والمساعدة التي كان يبذلها له، عند ذلك جاء القرآن ليرد الصديق إلى الكمال: {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم}، فلما بلغ الصديق هذا قال: (بلى والله نحب ذلك}، فرجع وأحسن وأجزل له العطاء، رغبة فيما عند الله تبارك وتعالى.

بالنسبة لموضوع الصديقة فقد أحسنت في هذه الرغبة في الخير، وهذه كافية، حتى تدركيها، فإن الرغبة في الخير خير، والنية في الخير خير، ولا يزال الإنسان بخير ما نوى الخير وعمل الخير، وإذا كانت هناك وسيلة للتواصل معها ولو بالهاتف أو بأي وسيلة، بأن تبلغيها السلام، يعني أيضا تشعريها بأنك لا تحملين عليها شيئا، وأن لديك رغبة في أنك تتواصلي معها، فإن هذا مزيد أجر وثواب لك عند الله تبارك وتعالى.

نسأل الله أن يعينا على تجاوز حظوظ أنفسنا، وأن نكون دائما المبادرين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الخصام قال: (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)، وكان السلف يسارعون ويبادرون. ونحب أن نؤكد أيضا أن الإنسان إذا ظلم يستطيع أن يأخذ حقه وأيضا يبقي شعرة العلاقة، لأن هذا الذي يخاصمني أو يشتكيني أو يظلمني هو في النهاية أيضا مسلم، وله حقوقه كمسلم، وظلمه لي أجد أجره عند الله، وظلمه لي قد يدفعني إلى أن أشكوه لآخذ حقي في الدنيا، وكل ذلك ما ينبغي أن يؤثر على العلاقات الأصلية، وهذا مما ينتبه له الناس.

نسأل الله ان يعينك على الخير، وهذا مؤشر رائع، لأن هذا يدل على رغبتك في الخير، والرغبة في الخير خير.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات