السؤال
مرحبا أصحاب الموقع الفضيل.
قصتي منذ الطفولة، نشأت كأي طفل في مجتمع عربي، لكن والدتي الفاضلة -التي أضحي بحياتي لأجلها وأبرها- متدينة، وكان أسلوبها لإجبارنا على الصلاة تقول: النار ما ترحم، ودائما تذكرنا الآخرة والقيامة، كبرت على هذا الشيء أخاف الموت وأهابه، وبدأت أيضا بالخوف من الرؤية والأحلام، فمثلا حلمت بوفاتي وفزعت حينها، وبدأت أرتجف، وحينما أخبرني قريب لي جدا بأنه رآني في منامه (مازحا) بدأت أرتجف وأبكي والدموع انهمرت، والصدمة أني بعمر عشرين عاما.
كيف لشاب يظهر ردات فعل أشبه بالأطفال، أخاف الموت، وأخاف الإلحاد، وأخاف الرؤيا، لأنه بشر بالموت، وبالذات خالتي امرأة ترى دائما منامات تصبح واقعا، فربما كان هذا سبب خوفي أيضا.
فكرت في وقف المعاناة بشتى الطرق، وذهبت لدكتور في علم النفس الإكلينيكي، وساعدني وكأن الحياة عادت، وأعطاني دواء سبراليكس لتناوله تدريجيا إلى حبة كاملة، وبعد ٦ شهور من حياة مسالمة بدأت تنتكس حالتي، وأخاف الموت وأنا شاب!
عندما يقول أحد لي كلاما، أقول ربما هذا وداعي الأخير لهم، وعندما مثلا أرى والدتي تقول: أحبك يا ابني، فأقول ربما حان موتي وأبدأ التفكير في النهاية.
أنا أيضا شاب مهتم بعلم النفس، وسأدخل السنة القادمة تخصص علم النفس، وتأخرت سنتين بسبب القلق والقولون العصبي وضربات القلب السريع ونوبات الهلع.
أرجوكم ساعدوني، أصلي -الحمد لله- وأعبد ربي، وأتمنى مناقشتي ليس كباقي الناس، بقول: إن ذلك بسبب ابتعادك عن ربك، وستجد العقاب، البعد عن الله يعني دخول النار، وذلك يزيد خوفي، وأريد وقف كل ذلك، ولا أجد إلا طريقة لكنها حرام!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك - أخي الشاب - عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال.
سرني - أخي الفاضل - أمران:
الأول: أنك ملتزم بصلاتك وبعبادتك لله عز وجل، وهذا أمر طيب نحمد الله تعالى عليه.
الأمر الثاني: أنك مقبل على دراسة علم النفس، فحياك الله كأخ عزيز قريب من تخصصنا.
أخي الفاضل: إن ما وصفت لا شك رغم القصد والنية الحسنة من الوالدة -حفظها الله- إلا أن تخويف الأطفال بهذا الشكل بالنار والمبالغة فيه ليس بالأمر الحميد، فكما أن هناك نار هناك جنة ونعيم، لذلك وجب التوازن بين الأمرين، وهذا الذي نلاحظه في كتاب الله عز وجل.
أخي الفاضل: ورد في آخر سؤالك ما يشير إلى أنك شديد الحساسية والقلق والتوتر، حيث عندك القولون العصبي، وما وصفته من نوبات الهلع التي تأتيك بين الحين والآخر، فواضح أنك حساس تتأثر بما حولك، وهذا ليس في حد ذاته أمرا معيبا، ولكن لابد من التوازن في كل هذه الأمور.
أخي الفاضل: ذكرت أنك ذهبت إلى دكتور في علم النفس الإكلينيكي، وأنه وصف لك دواء (سيبرالكس Cipralex) الذي تحسنت عليه لمدة ستة أشهر. هنا ملاحظتان:
الأولى: دكتور علم النفس الإكلينيكي لا يستطيع أن يصف الأدوية، فلابد أنه كان طبيبا نفسيا وليس مختصا في علم النفس. هذا ليس بالأمر المهم الآن.
النقطة الثانية والأهم أنه من طبيعة بعض الحالات النفسية - كالاكتئاب النفسي - أنه ينتكس بين الحين والآخر، ونحن عادة إذا كان أحد الأدوية المضادة للاكتئاب - كالسيبرالكس - يعمل بشكل جيد؛ فإنا ننصح المصاب على الاستمرار عليه، ليس أقل من تسعة أشهر، ثم بعد ذلك إذا استمر التحسن يمكن أن نفكر في تخفيف الجرعة تدريجيا، حتى إيقاف الدواء، طالما أن الإنسان المصاب بقي في حالة نفسية جيدة، وإلا إذا بدأت بعض أعراض الانتكاس فلابد أن نعود إلى الجرعة السابقة التي كانت تعالج بنجاح.
أخي الفاضل: كلنا يخاف - بإذن الله سبحانه وتعالى - من نار جهنم، وهذا ليس أمرا معيبا، بالعكس هذا أمر شيء مطلوب، ولكن كما ذكرت لابد لنا من التوازن.
أنصحك بالتالي:
أولا: أن تعود إلى جرعة السيبرالكس السابقة، وتأكد أنك تتابع مع طبيب نفسي. أما إذا أردت بعض الجلسات النفسية بالعلاج المعرفي السلوكي (CBT) والذي ستتعرف عليه عند دراستك لعلم النفس، فيمكنك عندها مراجعة عيادة أخصائي نفسي وليس طبيبا نفسيا.
أدعو الله تعالى لك بتمام الصحة والعافية، وأن يوفقك في دراستك في علم النفس، لتساعد في تخفيف معاناة الناس، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.