السؤال
السلام عليكم.
بداية أشكركم على دعمكم وسهركم على قضايا الناس.
أنا طالب جامعي، ومقبل على التخرج، أردت منكم المساعدة في مسألة كتابة البحوث العلمية؛ فأنا أجد صعوبة في التعبير الفصيح، والتدقيق والتفصيل الجيد في المواضيع المطروحة من أجل البحث، فهناك عجز واضح في الانتقاء واختيار الكلمات المناسبة للطرح، ولو بحثت وتعمقت في البحث أجدني محاصرا بتكرار الكلمات، مع ركاكة في التعبير، وهذا الأمر يدفعني للجنون، وبصراحة فهو يؤثر على نفسيتي جدا، وحتى على صحتي، مع العلم أنني أقرأ وأطالع كثيرا.
أسمع الكلام من هنا وهناك أن النظر إلى المحرمات، والتعاطي في العلاقات الغير شرعية وغيرها، يورث العجز والبلادة والسطحية، ويحرم المرء من التوفيق، مع العلم أن الكثير والكثير يتعاطون هذا الأمر داخل الجامعات وخارجها، ومع ذلك لم يحرموا من حظهم من الإبداع والتوفيق!
وماذا عن الابتلاء بالعادة السرية ومشاهدة المسلسلات الماجنة اللذان ابتليت بهما -كرم الله سمعكم وأبصاركم-؟ فأنا في حرب مسعورة منذ أكثر من ست سنوات مع هذه الآثام، وأعاني من عدم التوفيق، وصعوبة التعامل مع الغير، وخاصة أمي وإخوتي، وأتحسر على ذلك.
وبالنسبة للزواج فهو صعب في هذا الزمن، وأريد حلا؛ لأن الوزر بات ثقيلا جدا، فقد حرمت استجابة دعائي، رغم إلحاحي به ليلا ونهارا أن يوفقني في الكتابة، وأن يرزقني لواحقها وآلياتها، لكن دون جدوى، والمشكلة الأخرى أنني أنسى كثيرا، وأجد صعوبة في استحضار ما أريد بسهولة.
أود منكم ترشيحات معينة على أمل أن تجدد في روح الإصرار والمثابرة من أجل الاستمرار ومتابعة الدراسة إلى آخر رمق.
أسألكم الدعاء؛ فأنا شخص محب لله ورسوله، ومحب للعلم، ولكن الله غالب على أمره.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ يوسف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يهديك لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنك سيئ الأخلاق والأعمال، لا يصرف سيئها إلا هو.
لا يخفى عليك أن للمعاصي آثارها وثمارها المرة على الإنسان، حتى قال ابن مسعود: (كنا نحدث أن المعاصي تنسي العلم)، أو قال: (إني لأحسب الرجل ينسى العلم يعلمه بالخطيئة يعملها)، وأنشد الشافعي فقال:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي … فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأنبأني بأن العلم نور … وأن نور الله لا يهدى لعاصي
وشكا رجل إلى بعض العارفين وحشة يجدها في نفسه فقال له:
إذا كنت قد أوحشتك الذنوب … فدعها إذا شئت واستأنس
ولما جلس الإمام الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقد ذكائه، وكمال فهمه، فقال: (إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا، فلا تطفئه بظلمة المعصية).
أما قولك هناك من يعصي ويتفوق؛ فهذا لا يعني أنه لا يعيش آثار وظلمات المعصية، فمن العصاة من يستدرجهم الله تبارك وتعالى ليزدادوا فجورا، ثم تأتي الطامة الكبرى التي تأخذهم أخذ عزيز مقتدر -عياذا بالله تبارك وتعالى-، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا رأيت الله عز وجل يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنه استدراج)، ثم تلا قول الله عز وجل: {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين}.
وفسر العلماء قوله تعالى: {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * وأملي لهم إن كيدي متين} أنهم كلما أحدثوا ذنبا أحدثنا لهم نعمة ليزدادوا غرورا، ونملي لهم ليزدادوا إثما.
ولذلك أرجو ألا تقارن نفسك بأمثال هؤلاء، ولكن انظر إلى الطائعين الموفقين الحريصين على إرضاء رب العالمين سبحانه وتعالى.
ونحب أن نؤكد لك أن هذه المعاصي يستطيع الإنسان أن يتخلص منها بالاستعانة بالله والتوكل عليه، ونحن نوقن أنك مؤمن، لك إرادة جعلتك تترك طعامك وشرابك وشهوتك في نهار رمضان، وكل ذلك دليل على أنك تستطيع أن تفعل ما تريد، فاستحضر عظمة الله تبارك وتعالى، وتذكر أنه لا تخفى عليه خافية، وأنه أقرب إلينا من حبل الوريد، وتذكر أن هذا الذي يعمل معاصي الخفاء هذه يختفي من الناس ويعصي رب الناس والله ناظر إليه.
أما بالنسبة للتحسن في اللغة: فإذا كنت تقرأ، فأرجو أن تتخذ لنفسك دفترا، كلما وجدت عبارة جميلة تسجلها وتحفظها، وتنسج على منوالها، يعني: لا تكون مجرد قراءة، وإنما قراءة مع تركيز، والإنسان إذا قرأ للأدباء، وقرأ للشعراء اكتسب الملكة، واستفاد مما عندهم، والإنسان يأتي بعبارات ثم ينسج على منوالها، حتى يتعلم الفصاحة والبلاغة.
ونحب أن نؤكد أن الإنسان إذا جهز المعلومة العلمية فلا مانع من أن يستعين ببعض إخوانه من المختصين في اللغة، يحاوره ويشاوره في بعض الكلمات التي يحتاج إلى بدائل عنها، حتى يخرج من تكرارها، واللغة العربية هي من أوسع اللغات -بفضل الله-.
ولكن مرة أخرى نعود لنذكرك بأهمية أن تترك المعاصي والأمور التي تغضب الله، ومما يعينك على ترك العادة السيئة:
- مراقبة الله تبارك وتعالى، واستحضار قوله تعالى: {ألم يعلم بأن الله يرى}.
- كثرة الدعاء واللجوء إلى الله تبارك وتعالى.
- ذكر الله على الدوام.
- البعد عن المثيرات التي تحرك هذه الشهوة.
- معرفة حقيقة هذه العادة، وأنها لا توصل إلى الإشباع، لكنها توصل إلى السعار، وأنها تترك آثارا على الإنسان.
- الحرص دائما على أن تشغل نفسك بالمفيد، وتجتهد دائما في أي طاقة عندك تفرغها فيما هو نافع، من: قراءة، ورياضة، وعمل، وجهد.
- الحرص دائما على ألا تأتي الفراش إلا عندما تحتاج إلى النوم، ولا تمكث فيه بعد النوم، وغير المراسيم التي تعينك على فعل تلك المعصية، والإنسان ينبغي أن يراقب الله تبارك وتعالى إذا كان في الخلوة، فأسوأ الناس الذين إذا خلوا بمعاصي الله انتهكوها.
نسأل الله أن يعينك على الخير، ونهنؤك على هذا التواصل الذي يدل على يقظة وضمير، وهذه خطوة أساسية في طريق الإصلاح والتصحيح، نسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات والهداية.