السؤال
السلام عليكم.
فعلت ذنبا في الماضي، وتبت من كل شيء أفعله، والتزمت -والحمد لله-، سؤالي عن الثقة بالله والخوف من تبعات الذنب هل يتعارضان؟ تسول لي نفسي أن خوفي دليل على أنني منافق، وأنني لا أثق بالله، ولكني أعلم أن الله سترني عندما فعلت الذنب، ولن يفضحني بعد أن تبت منه، ولكن لاقتراب أمر ما يمكن أن يكشف تبعات هذا الذنب ويؤدي إلى مشاكل وفضيحة كبيرة.
أنا خائف وأدعو الله كل يوم أن يسترني مرة أخرى، ولن أكرر ما فعلته في الماضي؛ لأنني في الأساس تائب عنه منذ فترة كبيرة، فهل خوفي وأفكاري بأن الموضوع سيسبب لي مشكلة كبيرة، وأتخيل حلولا، دليل على عدم ثقتي بالله؟
أعلم أن تخيلاتي التي لا أستطيع إيقافها بأن المشكلة ستكون كبيرة هي من الشيطان، ليشعرني بأنني منافق، وأني لا أثق بالله، وأن الله لن يقف معي، أو سيتركني أقع في المشكلة!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك - ولدنا الحبيب - في استشارات إسلام ويب.
أولا: نهنئك - أيها الحبيب - بما وفقك الله تعالى إليه وأعانك عليه من التوبة إلى الله من ذنبك، وهذا فضل عظيم، وعطاء جسيم ينبغي أن تكثر من شكر الله تعالى عليه، فإن توبة الإنسان إنما تصدر بعد أن يكون الله سبحانه وتعالى قد أراد له التوبة وتاب عليه، كما قال سبحانه وتعالى في قصة الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله في غزوة تبوك، قال: {ثم تاب عليهم ليتوبوا}، فتوبتك إنما هي أثر من آثار توفيق الله تعالى وتوبته عليك، فأكثر من شكر الله تعالى، واستصحب واستشعر في قلبك هذا الفضل العظيم الذي من الله تعالى به عليك، وهذا الشعور سيدفعك لمحبة الله تعالى والإكثار من طاعته والتقرب إليه.
واحرص - أخي الحبيب بارك الله فيك - على تحسين هذه التوبة، وتحقيقها بالشكل الذي يحبه الله تعالى ويرضاه، وذلك بأن تكون توبة مستكملة لأركانها، من حيث: الندم على فعل الذنب، والعزم على عدم الرجوع إليه في المستقبل، مع الإقلاع عنه، فإذا تبت فإن الله تعالى يقبل التوبة عن عباده، كما أخبر بذلك في كتابه الكريم فقال: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات}، بل أخبر سبحانه وتعالى بأنه يبدل سيئات التائبين حسنات فقال: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما * ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا}، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن فرح الله سبحانه وتعالى بتوبة عبده المؤمن، وهو فرح الكريم الذي يريد أن يكرم هذا التائب ويسوق إليه الخيرات.
وأما شعورك بالخوف من آثار الذنب؛ فهو شعور حسن مقبول ما لم يتحول إلى سوء ظن بالله سبحانه وتعالى، ومحبط لك عن الأعمال الصالحة، أو موقع لك في أنواع من التشاؤم الصارف لك عن الطاعات، الموقع لك في إساءة الظن بالله -سبحانه وتعالى-، فهذا التذكر الذي يكون بهذه الأوصاف تذكر مذموم مصدره الشيطان، يريد أن يوقعك في الحزن والكآبة، ويقطعك عن السير إلى الله -سبحانه وتعالى- في طريق الطاعات، فلا تلتفت إليه.
واعلم بأن الله -سبحانه وتعالى- لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين، وإنما يفعل ذلك اختبارا لنا، فإذا وقع أحدنا في الذنب ثم تاب إلى الله تعالى التوبة الصادقة فإنه قد فعل ما يحبه الله تعالى ويرضاه منه، وربما حاله بعد التوبة أفضل من حاله قبل التوبة، وأحب إلى الله تعالى.
فأحسن ظنك بالله، واعلم بأنه سبحانه وتعالى الذي سترك فيما مضى سيسترك فيما يستقبل من الزمان، ويصلح لك ما بقي من أحوالك، فهو سبحانه وتعالى قديم الإحسان، وهو أهل لكل معروف وجود وكرم، فلا تظن بالله سبحانه وتعالى إلا الخير، وأنت لم تر منه إلى الآن إلا الخير، فكما أنك لم تر منه سوءا ولم تر منه كشفا وفضحا، بل ستر عليك وعافاك وأمدك ورزقك، فإنه سبحانه وتعالى سيفعل بك ذلك في كل حين.
فأحسن ظنك بالله، واعلم أن حسن الظن بالله من أعظم الأسباب الموصلة إلى الغايات التي يتمناها الإنسان والمحاب التي يسعى لأجلها، وقد قال الله في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء).
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يأخذ بيدك إلى كل خير.