السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا متزوجة منذ 20 سنة، وعندي 4 أطفال، وأسكن في بلد أوروبي، وزوجي يريد أن يعدد، مع العلم أنه يعاني من مرض نادر يسمى: مرض الأميرة النائمة، وهو مرض النوم، فهو ينام رغما عنه، وهو يقود السيارة، أو عند الأكل، أو في الاجتماع، وهكذا، مع انشغاله الدائم في العمل، وهذا عبء على حياتنا! فأنا أقوم بدوره في تربية الأبناء، ومتابعة مواعيدهم، وتدريسهم، فهو قليل الحضور، ومع ذلك يريد أن يعدد! وهذا يؤدي لغياب أكثر، وتهميش أكبر، ومعاناة لي وللأولاد.
هل يحق له التعدد وهو في هذه الحالة؟ وهل يجوز لي طلب الطلاق إن قام بذلك للأسباب التي ذكرتها؟ مع العلم أنه يقوم بدوره في الإنفاق علينا، لكنه مقصر في دوره التربوي لأبنائه، وفي مساندتي لقيامي بدوره، ولا يرى بأنه مقصر، ويرى بأنه أمر طبيعي أن أقوم بهذا الدور، فحياته تقتصر غالبيتها على العمل والنوم.
وعندما أعربت عن رفضي لزواجه بثانية؛ لأنه سوف يخصص وقتا لها من المفروض أن يخصصه لي ولأولاده لحرماننا منه غالب الوقت؛ غضب، وقال بأني قد كفرت؛ لأنه شرع الله، ومن حقه أن يعدد.
فأفيدوني، جزاكم الله عني خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم مالك حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.
أولا: نسأل الله تعالى أن يثيبك ويكتب أجرك للجهود التي تبذلينها في تربية أولادك ومساندة زوجك، وكوني على ثقة -أيتها الأخت الكريمة- أن هذا العمل لا يضيعه الله؛ لأنه سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا، فسيعوضك الله عن هذه الجهود بصلاح أولادك -بإذن الله تعالى-، وستجنين ثمرة هذا التعب في حياتك قبل مماتك، فنسأل الله أن يصلح لك أولادك ويعوضك عن كل جهد تبذلينه.
وأما حال زوجك فقد ذكرت أنه مصاب بمرض، ولعل ما يحصل منه من تقصير بسبب هذا المرض، مع أنه يقوم بدوره في كسب الرزق والإنفاق عليكم، وهذا ينبغي أن يشكر عليه، ويعرف له هذا القدر من القيام بالحق والواجب، وننصحك بأن تتسامحي معه فيما حصل معه من تقصير في جوانب أخرى، فإن الحياة الزوجية ينبغي أن تبنى على التسامح والتغاضي، وقد أرشد الله سبحانه وتعالى المرأة التي تجد من زوجها تقصيرا أو نشوزا أو ترفعا عليها أو إرادة الطلاق، أرشدها الله تعالى إلى أن تقبل بالصلح، وأن هذا الصلح مع التغاضي عن بعض الحقوق هو أفضل من الطلاق وتفريق الأسرة وهدمها؛ فإن الطلاق يحمل أضرارا كثيرة على المرأة وعلى الرجل، وأعظم من ذلك على الأبناء والبنات، وفي هذا المعنى يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا ۚ والصلح خير).
وفي هذا المعنى صالح النبي -صلى الله عليه وسلم- سودة بنت زمعة -إحدى زوجاته-، فإنه لما أراد أن يطلقها رضيت بأن تتصالح مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فتهب حظها منه أو ليلتها منه إلى عائشة في مقابل أن تبقى زوجة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى تكون معه في الجنة، فصالحها النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذا، فإبقاء الحياة الزوجية والحفاظ على الأسرة من أعظم المقاصد التي رغب الله تعالى بها، وذلك من الآثار على الأبناء والبنات والزوج والزوجة، فلا ننصحك أبدا بأن تجعلي من رغبة زوجك في التعدد والزواج بأخرى سببا لطلب الطلاق وهدم أسرتك.
إن اقتنع زوجك بترك التعدد بالأسلوب الحسن، وقدرت على إقناعه بالإعراض عن هذه الفكرة بسبب ما هو فيه من الأحوال الصحية والانشغال فبها ونعمت، وإن لم يقتنع بذلك فإنه ما دام يقدر على أداء الحقوق الزوجية من النفقة والإسكان، ويقدر على القسم والعدل بين الزوجتين، فإنه يجوز له أن يتزوج بأخرى.
وأما ما ذكره لك من أنك عندما تجدين في نفسك غيرة، وأنك تعارضين زواجه بثانية أنك تكفرين، لأنه شرع الله تعالى، فهذا الكلام فيه نوع مبالغة بلا شك، فإن غيرة المرأة أمر متفهم، وكراهتها لأن يتزوج زوجها عليها بامرأة أخرى أمر متفهم كذلك، والشرع لا يكلف هذه المرأة بأن تفرح بهذا وتقابله بالسرور والرضا، ولكن يأمرها بأن تلتزم بأحكام الله تعالى والوقوف عند حدوده، فتعامل زوجها بما أمرها الله تعالى به من القيام بالمعاشرة بالمعروف، وأداء حقه عليها، وأن لا تجعل من زواجه بأخرى سببا للتفريط في هذه الحقوق.
خير ما نوصيك به -أيتها الأخت الكريمة- أن تكثري من دعاء الله سبحانه وتعالى أن يصلح لك أولادك، وأن تحاولي التودد والتقرب لزوجك بقدر استطاعتك، وستجدين أن الله سبحانه وتعالى يخلف عليك هذه الجهود بما يمنحك إياه من السعادة وأسبابها.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.