ما مدى إصابتي بمتلازمة أسبرجر أو طيف التوحد؟

0 47

السؤال

لقد اجتزت مؤخرا اختبارات عديدة لكشف الإصابة بمتلازمة أسبرجر، وأفضت كافة النتائج إلى احتمال أكيد بوجودها في حالتي، وهذا ما جعلني أذكر بعض سماتي التي سأفصلها رغبة في الاستفادة برأيكم بخصوص النتائج، فتحملوني رجاء.

منذ صباي، لما كنت أختلف إلى رياض الأطفال، غالبا ما كنت منزويا، تراني جالسا إلى طاولة بعيدة، مغمضا عيني ضاغطا عليهما بكلتا قبضتي، حتى أرى رسوما وخيالات وتشوهات بصرية ملونة، وإلى الآن، يعتبرني الجميع (من غير المقربين لي) غريب الأطوار، وفي المدرسة ينعتوني بالمثقف، أو بفأر المكتبة أو بالعبقري! رغم أني لا أرى في نفسي ثقافة واسعة أو نبوغا، بل على النقيض أراني غير مرة مشتتا قليل التركيز.

أظن أن تلك النعوت التي يصفوني بها إنما مردها تأخرهم في المناهج التعليمية، حسنا، أقر أني متفوق دراسيا، بيد أن لي بعض السلوكات الغريبة من حين لآخر، والتي لا تتلاءم مع قدراتي ككل، تكثر محادثاتي مع نفسي، محادثات ليست ذات معنى.

أتكلم فيها بألفاظ تريح مسمعي وتبعث الاسترخاء في جسدي، لا جزم لها في اللغة، أتكلم بها بعيدا عن الناس، وخاصة عند القلق أو الملل.

أنا أيضا مهووس بالتنظيم في كل شيء، في أدق التفاصيل، كثير التفكير، كثير التساؤلات الباطنية، وأيضا ميال إلى العزلة، قليل الكلام مع الأتراب، لا أجيد فهم نوايا الناس، وكثير الشك في انطباعاتهم، لا أعرف كيفية التصرف في التجمعات والمناسبات، لا علم لي بالوضعية التي يجب أن يكون عليها جسمي أثناء السير أو الوقوف، ولكني متمسك بالتواصل البصري أثناء الحوارات، وأكره أن يتجنب أحدهم النظر إلي مباشرة خلالها، علاوة على ما سبق، أنا كثير النظر والميل إلى الكهول وكبار السن أبتغي السماع عن أحوال الماضين من الخلائق، ومشدود إلى أماكن في منزل الأسرة، أتخيل وأطيل النظر فيها وأحلم، كثيرا ما أرتاح عند الانزواء في بيتي.

عند التمعن في يدي أحس أنني خارج جسدي، كأني أهيم بعيدا في غيابات الروح، أستغرب وجودي، رغم كل تلك الأمور الغريبة، فإن الناس -والحمد لله- تفتنهم كتاباتي الأدبية والسجعية، وكثير من المعلمين من يمتدحها، وإن الناس تعجبهم تلاوتي للقرآن وتريحهم، وإني لأحذق الرياضيات والفيزياء والعلوم، فما مدى احتمال إصابتي بتلك المتلازمة التي ذكرتها آنفا؟

(ملاحظة: أبلغ 16 سنة).

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك - بني - عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك كتابتك إلينا بهذا السؤال، بما فيه من تفاصيل كثيرة.

نعم من خلال ما ورد في سؤالك هناك مؤشرات كثيرة على أنك تعاني من (طيف التوحد)، والذي كان في الماضي يسمى (Autism spectrum) أو (متلازمة أسبرجر Asperger syndrome)، ويتصف المصاب به بأن عنده ملامح طيف التوحد، بالإضافة إلى بعض القدرات الذكائية الجيدة، واللغوية المتقدمة، إلا أن التصنيف العالمي للاضطرابات النفسية النسبة الأخيرة منه وما يسمى (DSM-5)، والذي صدر عام 2013م ألغى العديد من الأسماء التي كان يسمى بها من هو مصاب بطيف التوحد كـ (أسبرجر سيندروم Asperger's Syndrome) أو متلازمة أسبرجر، وأصبح التصنيف الآن والتشخيص أن الشخص مصاب بطيف التوحد.

عندما نقول: (طيف التوحد) فهو طيف واسع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومن سعة هذا الطيف يكاد لا يكون هناك شخصان عندهم طيف توحد بنفس الخصائص وبنفس الصفات.

الصفة الثانية (لطيف التوحد) أنه يبدأ من الطفولة، وهذا الذي كان عندك أيضا، حيث يبدو أنه ظهر من أيام ذهابك لرياض الأطفال، فقد ذكرت الانزواء والجلوس بعيدا، والناس ينظرون على أنك غريب عن بقية الأطفال أو الأشخاص.

أخي الفاضل: طيف التوحد منتشر، وهذا لا يمنع الإنسان أن يعيش حياة طبيعية أو شبه طبيعية، ونتذكر أنه حتى الذين ليس عندهم طيف توحد مختلفون في الخصائص والصفات والشخصيات...إلى آخره.

الأمر الأساسي المطلوب في مجتمعاتنا أن يعامل الإنسان كما هو من دون تمييز أو وصمة اجتماعية، بأنه يعاني من المرض الفلاني أو الاضطراب الفلاني، وإنما أن يأخذ حقه في التعليم والعمل وكل الأمور الحياتية الأخرى.

أخي الفاضل: واضح أيضا من سؤالك أنك -ولله الحمد- تتميز ببعض القدرات والإمكانات، كالكتابة والسجع وتلاوة القرآن، والإلمام بالرياضيات والعلوم والفيزياء، فهذه أمور طيبة. طبعا أنت ما زلت في سن السادسة عشرة، فهذه الإمكانات والقدرات تبشر إلى أنه يمكن أن يكون لك تخصص دقيق ودراسة جيدة.

أنا شخصيا أعلم بعض الأستاتذة البروفيسوريين عندهم طيف توحد، إلا أنهم مبدعون في مجال دراستهم وعملهم، فالمصاب بطيف التوحد - وخاصة مع القدرات الذكائية واللغوية - يتميز بالقدرات المفيدة جدا في حياته.

أدعو الله تعالى أن يريح بالك، ويساعدك على أن تركز على إمكاناتك لتكمل دراستك بالشكل المناسب. وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات