السؤال
السلام عليكم
كيف أتغلب على هاجس الخوف من المستقبل، والخوف من الفشل بسبب اختياراتي؟ حيث إني في حيرة هل أكمل في مجال دراستي الحالي أم أغيره إلى مجال آخر؟ وهذا راجع إلى قلة ثقتي بنفسي.
أصبحت أشكك كثيرا فيما إذا كان بإمكاني المواصلة فيه، خاصة وأنه تخصص صعب، علما بأني قطعت الدرس 3 سنوات في هذا المجال، وبقي عامان للتخصص فيه، والتخرج، لكني بدأت أشعر وكأني لن أنجح فيه، وبأني لست كفؤا له، ولا أعلم ربما أنا كذلك، وربما أنا فقط أقلل من نفسي وقدراتي.
أنا أعيش هذا الصراع تقريبا في كل قرار أتخذه في حياتي، أحتار ولا أعلم ماذا أختار، فربما أخطأت اختياره من الأساس، وفي نفس الوقت أحببته، وكنت ناجحة فيه، لكن مع الغوص فيه أعلم أنه سيزداد صعوبة، هو يحتاج الكثير من العمل والجهد والصبر، وربما لن أكون قادرة على مجاراته والنجاح فيه مستقبلا.
أرشدوني، من فضلكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منال حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك – ابنتنا الكريمة – في استشارات إسلام ويب.
بداية: نهدي إليك هذا الحديث العظيم، من أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وفيه وصايا نبوية نافعة، وهي دواء لحالات العجز والفشل والتردد، فاحرصي على التدبر لهذه الوصايا النبوية والتفهم لها، وحاولي تطبيقها والعمل بمقتضاها، وستجدين بعون الله سبحانه وتعالى أثرا واضحا وبينا في حياتك العملية.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، يقول عليه الصلاة والسلام: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن "لو" تفتح عمل الشيطان).
هذا الحديث – أيتها البنت الكريمة – يجمع وصايا كثيرة، ومنها هذه الوصية العظيمة (وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز)، فاحرصي على كل خير ينفعك، واستعيني بالله تعالى على هذا الخير، فإن في ذلك سعادتك، فسعادة الإنسان مفتاحها وسببها الكبير هو العمل بهذه الوصية: الحرص على ما ينفع، والحرص معناه: بذل الجهد واستفراغ الوسع والطاقة لتنفيذ ما يراه الإنسان نافعا له، والنفع والفائدة لا تخفى على أحد، فكل ما يراه الإنسان نافعا له مما أباحه الله ينبغي للإنسان أن يحرص عليه وأن يسعى جهده في تحقيقه وتنفيذه، والقدر أمر مغيب عنا لا ندري ما الذي كتبه الله تعالى في كتابه، إنما أمرنا الله تعالى بأن نأخذ بأسباب مصالحنا ومنافع ديننا ودنيانا.
ثم في هذه الوصايا النبوية أيضا تنبيه لهذا الإنسان أنه عاجز، وأنه لا يقدر بنفسه وبمفرده على فعل شيء إذا لم يعنه الله سبحانه وتعالى وييسر له، فأمره عليه الصلاة والسلام بأن يستعين بالله، فقال: (واستعن بالله) فإن المقادير بيده، وهو سبحانه وتعالى أرحم بنا من أنفسنا، يقدر لنا الخير ويعيننا عليه.
ثم وصية ثالثة تنهاه عن العجز، والعجز يعني الفشل والتردد، فقال: (ولا تعجز).
في ظل هذه الوصايا النبوية – أيتها البنت الكريمة – يمكنك أن تعرفي إذا ما المطلوب منك، فالمطلوب منك أن تبذلي جهدك ووسعك في الوصول للغاية التي تريدينها، ودراسة المجال الذي ترين نفسك راغبة فيه وقادرة على فهمه واستيعابه، وأن تكثري الاستعانة بالله سبحانه وتعالى ودعائه أن ييسره لك، وأن يبلغك غاياتك وأهدافك ما دامت مباحة يرضاها الله تعالى.
احذري من التردد؛ فإن التردد هو مفتاح العجز ومفتاح الفشل، وكما قال الشاعر:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ... فإن فساد الرأي أن تترددا
لا تترددي أبدا، أقدمي على ما ترينه نافعا لك، وابذلي جهدك فيه وفي تحصيله، وفوضي الأمور كلها إلى الله سبحانه وتعالى، فلا أحد يعلم منا ما في المستقبل، ولا أحد منا يدري ما الذي تخبئه له الأيام، وإنما علينا أن نحسن الظن بالله سبحانه وتعالى، ونعتقد أنه رحيم بنا، لطيف بنا، وأنه لن يضيعنا، فقد قال سبحانه وتعالى: {الله لطيف بعباده} [الشورى: 19].
الذي أحسن إليك فيما مضى من زمانك، ورزقك وأنت في بطن أمك، وتكفل بقضاء حوائجك وأنت لا تستطيعين على فعل شيء، ووضع المحبة والرأفة والرحمة في قلوب الوالدين ليقوما بحاجتك وأنت صغيرة عاجزة، الذي فعل هذا كله سيفعل ما هو أجمل منه وأحسن في مستقبل الأيام، فأحسني ظنك بالله، ونوصيك بكثرة ذكر الله سبحانه وتعالى، وأداء الصلوات في أوقاتها، والتواصل مع النساء الصالحات والفتيات الطيبات، وبذلك ستجدين نفسك تتغير بإذن الله تعالى نحو الأفضل.
نسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان.