السؤال
السلام عليكم
سؤالي بخصوص طاعة الوالدين، هل ما سأرويه لكم فيه معصية لوالدي في تصرفي أم لا؟
أختي في مقتبل شبابها، ووالداي في قلق، لديهما إصرار على تزويجها، لدرجة أن كل من يتقدم -وبدون إبداء أي رأي- يريدان من أختي أن تقابله، حتى بدون أدنى قدر من التفكير في صلاحية هذا الشخص في زواجه بابنتهما.
أنا لا تعجبني فكرة أن تقابل أختي كل شخص يأتي، ومن ثم ترفضه أو يرفضها، وأرى أنه لا بد من القيام بالسؤال عن الرجل، قبل التفكير في المقابلة بينه وبين أختي.
أوضحت وجهة نظري أكثر من مرة، وكنت أمشي حسب رغبتهما، حتى شعرت أن هذا قد يؤثر سلبا على نفسية أختي، فإذا بهما يخبرانني بشخص آخر قادم للخطبة، فرفضت أن أقابله هذه المرة قبل أن نناقش صلاحيته، أو إذا كان فعلا مناسبا أو لا.
لقد حدد أهلي الموعد وطلبوا مني الظهور في هذا الموعد لمقابلة الشخص، ولكني اعتذرت لهم أني لا أستطيع، وأحسست في كلامهم بشيء من الضيق، ولكن أخبروني أنه قرارك، وإذا به اليوم الموعود، وأنا أعمل في المنزل، وإذا بي أتلقى مكالمة من والدي قرابة الساعة 11 صباحا، خلال مواعيد عملي، يخبرني بأنه لديه هذا الضيف، ويبعد عني 5 دقائق، -بيت أهلي يبعد عني 5 دقائق-.
يريد أن يدخل بيتي ليشرب معي الشاي، اعتذرت وقلت له: أنت تعلم طبيعة عملي في المنزل، وأني أدخل في اجتماعات عن بعد معظم الوقت، وأنه بالفعل عندي اجتماع بعد 5 دقائق من وقت مكالمته، فاعتذرت له فوق ثلاث مرات، أني آسف ولا أستطيع، بالرغم من أني لا أكذب، ولكني تضايقت من أني أخبرتهم بالفعل أني لن أقابله، ولكن هاهم يعاملونني كما لو أني طفل صغير!
علما بأني متزوج، وعندي طفلة صغيرة، ويفرض الضيوف على بيتي فجأة، حتى بدون أن أكون جاهزا لاستقبالهم.
بالنسبة لأبي هو مرحب به في أي وقت كان، لكن حين أستقبل أي ضيوف فمن الأفضل أن أعلم مسبقا، حتى يتسنى لي إعلام أهل بيتي، وتجهيز البيت، لاستقبال الضيوف.
بعد أن انتهيت من عملي شغلت نفسي بأمر آخر، وتهربت من مكالماته، كنت أرد على رسائله، وأخبره أني مشغول، وأني لن أستطيع القدوم، لأني لم أرد أن أقابل هذا الشخص، لوضع حد لما يحدث مع أختي، خصوصا أن ما فعله والداي يشعرني ويشعر أخي أيضا، أن هذا تقليل من شأن أختنا، وهذا ما لا نقبله أبدا، وأخي متفق معي في وجهة نظري.
أنا نصحته بأن يقوم هو بالذهاب، ولكن عدم ذهابي هو شيء يجب علي فعله، كحل آخر، لوقف ما يحدث، وإن كنت لا أعلم إن كان سيفيد، فهل بذلك أكون عصيت والدي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك مع الموقع، وحرصك على بر والديك، وخوفك من الوقوع في عقوقهما، ونسأل الله تعالى لك مزيدا من التوفيق والهداية والصلاح.
ما وصفته –أيها الحبيب– من حال والديك وحرصهما على تزويج أختك، أمر متفهم ومقبول، فإن الوالدين يرحمان ابنتهما، ويحرصان على مصلحتها، وهما بلا شك أكثر رحمة بها منك، وحرصا على مصلحتها منك، وهذه فطرة فطر الله تعالى عليها الوالدين، كما أنهما أكثر خبرة بالحياة وأهلها منك، فلا ينبغي أبدا أن تتعامل مع رأيهما وقرارهما بشيء من التجاهل أو الاستخفاف، وينبغي أن تدرك بأن حرصهما على مقابلة كل من يطلب أختك للزواج باعثه الحرص على استغلال الفرص وعدم تفويتها، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (احرص على ما ينفعك).
إذا كانت صفات الشخص المتقدم جلية وواضحة تدعو إلى رفضه وعدم قبوله؛ فإن عرضك الحسن على الوالدين لهذه الصفات بصدق وإخلاص وعدم مبالغة، من المتوقع أن يقبل الوالدان بهذا العرض، ويكتفيان به عن مقابلته.
وصيتنا لك –أيها الحبيب– أن تدرك تمام الإدراك، أن أمر والدك لك بشيء مباح فيه مصلحة للوالد، وليس فيه مضرة عليك؛ أمر يجب عليك أن تطيعه فيه، ولا يجوز لك أن تعصيه، وعصيانه فيه عقوق، وهذه هي قاعدة العقوق المقررة عند العلماء، أن الوالد إذا أمر ولده بأمر فيه مصلحة له، وليس فيه مضرة على الولد؛ فإن الولد إذا عصاه في ذلك وخالفه فإنه عاق، وعليك أن تتوب إذا صدر منك شيء من هذا.
أما إذا طلب منك والدك شيئا في حال كنت مشغولا فيه بطلب معاشك ورزقك؛ فإنه من السهل عليك أن تعتذر إلى والدك بالعذر البين الواضح، وأن تبين له حقيقة الحال، ونحن نتوقع أن الوالد لا يغضب من ذلك، ومن المؤكد أنه سيرضى بما تبديه له، إذا لم تكن متخذا ذلك ذريعة للتهرب من طاعة أمره، فإن هذا أمر لا يخفى على الوالد، فننصحك أن تكون صادقا مع نفسك، صريحا معه، وأن تحذر من تزيين الشيطان لك عقوق الوالد بمخارج أخرى وإيجاد أعذار لا مكان لها، فالله تبارك وتعالى بعد أن أمر ببر الوالدين قال: (ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا) أي ربكم أعلم بمقاصدكم ونواياكم وحال أعذاركم، (إن تكونوا صالحين) في ذلك، (فإنه كان للأوابين غفورا).
ما فيه عذر بين وواضح الله تعالى يعذرك به، ووالدك أيضا سيعذرك به، وما ليس لك فيه عذر واضح بين فبادر إلى طاعة والدك، وقابل من يأمرك بمقابلته، وبعد أن تقابله ليس عليك حرج في أن تبدي لوالدك رأيك، وأن تبين له على جهة النصيحة والحرص على المصلحة، كل ما في صدرك، وتدع بعد ذلك القرار له ولأختك، فتكون قد أديت ما عليك من حق لوالدك ولأختك.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجري الخير على يديك.