السؤال
السلام عليكم
أحيانا يأتيني شعور بأني أفضل من شخص ما، ودائما ما أقارن نفسي به، وهذا الشعور يضيق صدري؛ لأني أخاف أنه نوع من أنواع الكبر، ولا أعلم لماذا أقارن نفسي به دون غيره؟! والشيطان دائما يجلب لي هذه الأفكار وقت العبادات ووقت الدعاء! أحيانا أشعر أنني يجب أن أدعو لكل الأشخاص القريبين مني، ولا أستطيع التركيز بالدعاء، وينتابني وسواس بالأنانية رغم أنني دائما أدعو لجميع المسلمين، لكن أبدأ بنفسي، فكيف أتخلص من هذه الأفكار؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Salma حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك – أختنا الكريمة – في استشارات إسلام ويب.
نحن نرى –أيتها الأخت الكريمة– أن ما تجدينه من مشاعر فيه شيء كثير من الإيجابية، وهو دليل – إن شاء الله تعالى – على حسن في ديانتك، ورقي في أخلاقك، وننصحك بأن تحذري من أن يجد الشيطان طريقا إلى الوصول إلى قلبك لغرس الأحزان فيه، فهو حريص كل الحرص على صرفك عن كل طريق من طرق الخير، فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بـ (إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه كلها)، ومن ثم فهو حريص على أن يبغض إليك ويكره إليك كل طريق يمكن أن تسلكيه إلى ربك، وتصلين به إلى جنان الخلد، وقد يستغل ضعف علمك وبصيرتك في بعض الأمور، فاحذري من هذا، واعلمي أولا أن أفضل ما تفعلينه وتتقربين به إلى الله سبحانه وتعالى أن تتعلمي دينك، وتعرفي خصال الخير التي ينبغي أن تقومي بها، وأسباب الدواء لبعض الأمراض القلبية أو الروحية التي قد يصاب بها الإنسان.
وسؤالك هذا هو دليل على توفيق الله سبحانه وتعالى لك، وإشارة إلى أنك تسلكين الطريق الصحيح، وهو التعلم ومحاولة التعرف على أحكام الشرع وحدود الله سبحانه وتعالى فيه، ونسأل الله تعالى أن يزيدك هدى وصلاحا.
وخوفك من الوقوع في الكبر دليل على حسن في إسلامك، فإن الكبر من أعظم الآفات التي إذا أصيب بها الإنسان فقد عرض نفسه لسخط الله تعالى، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)، والكبر قد فسره النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه (بطر-رد- الحق وغمط الناس) بحيث لا يقبل الإنسان النصح إذا نصح بالحق، وأن يحتقر الناس ويزدريهم ويظن نفسه فوقهم وأعلى منهم، فهذا كبر مذموم.
وأما المقارنة بين الإنسان وبين من هو دونه في الطاعات في ظاهر الحال؛ فإن هذه المقارنة غير دقيقة وغير صائبة، فإن منازل الناس عند الله سبحانه وتعالى بحسب ما يقوم في قلوبهم من العبادات القلبية، من خوف الله، ومحبته، والإنابة عليه، والتوكل عليه، ومحبة دينه، ومحبة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومحبة عباده المؤمنين، وغيره من عبادات القلوب، وهذه العبادات القلبية لا نعرفها عن الآخرين، فلا ندري ما في قلب كل إنسان، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد قال: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم، وأعمالكم) [والحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه].
فتذكر الإنسان لهذه الحقيقة هو الذي يقيده عن احتقار الآخرين وازدرائهم، وظنه أنه أعلى منهم وأنه أفضل منهم.
كما أنه إذا تذكر الإنسان المسلم أن العبرة بالخواتيم، وأن الله سبحانه وتعالى قد يختم لإنسان سيئ بخاتمة حسنة، فيتبوأ أعلى المنازل عند الله تعالى بعد ذلك، تذكره لهذه الحقيقة يصرفه عن أن يحتقر هذا الإنسان لما هو مقيم عليه في الوقت الحاضر من الذنب أو المعصية.
فتذكري أنت هذه الحقائق واستحضريها، وادفعي بها هذا الخاطر السيئ الذي يخطر لك، وما دام الأمر واقفا عند الخواطر القلبية ومجرد حديث نفس؛ فإن الله تعالى لا يحاسبك على ذلك، وكراهتك له دليل على الخير الموجود في قلبك.
فبهذا القدر وبهذا الحد لا نرى عليك خوفا -إن شاء الله تعالى-.
وأما ما ذكرتيه من الأنانية؛ فسؤالك ودعاؤك للمسلمين دليل على حبك الخير لهم، وهذا يكفي -إن شاء الله تعالى- في القيام بحقوقهم، ولا شك ولا ريب أن الأدب النبوي أن يبدأ الإنسان بالدعاء لنفسه، ثم يثني بعد ذلك بالدعاء للمؤمنين.
وهذا الدعاء للناس ليس واجبا، سواء كانوا أقارب أو أباعد، ولكنه أمر مستحب، كما أن الإنسان يثاب عليه؛ فإن الحديث قد ورد بأنه (من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة)، ولك أن تتصوري كم عدد الحسنات التي ستجنينها من وراء دعائك للمؤمنين والمؤمنات على جهة العموم!
فنسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.