السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حينما دخلت مرحلة الجامعة ابتعدت عن أهلي وأصدقائي، وشعرت بالغربة والوحشة، ومع مرور الوقت بدأت أقوم بأشياء تغضب الله، مثل: مشاهدة الأفلام الإباحية، وممارسة العادة السرية.
فقررت فعل أي شيء يبعدني عن هذه الذنوب، ويشغل قلبي، فاخترت فتاة محترمة، ووالدها كذلك، وأخبرت أهلي برغبتي في خطبتها والزواج منها بعد 4 سنوات من الجامعة، فرفض أهلي ذلك، وازداد ظلمي لنفسي حتى أصبحت أتواصل مع الفتيات عبر الهاتف، وعصيت الله كثيرا.
أصبت بفيروس كورونا في عام 2020، وتسبب في تدمير معدتي، أدركت بعدها أني قريب من الموت، فبدأت في التوبة، والرجوع إلى الله، ورأيت رؤيا صالحة، تدل على غفران الله لي، وتقربت من الله.
تذكرت بعدها أنني دعوت الله، وبينما كنت أقرأ القرآن، استوقفتني آية تتكلم عن الموت، فتذكرت عصياني، وخشيت أن أموت على معصية، فدعوت الله بصدق وقلت: "يارب لو كنت سأموت في شبابي، فعجل بتوبتي وأعدني للقرآن"، وبعدها قلت: "وأدخلني الجنة يا رب"، اكتشفت أن الله استجاب لي، وأعطاني فرصة جديدة للتوبة، ومراجعة القرآن.
تغيرت حياتي، وأصبحت مقتصرة على العبادة، وعلى مراجعة القرآن، لدرجة أن أهلي أصبحوا يطلبون مني العودة إلى حياتي الطبيعية، وأنهم وافقوا على تزويجي ولكني رفضت ذلك؛ لعلمي بقرب الأجل، بسبب ما أصابني، ولا أستطيع مراجعة القرآن كاملا، وأنا على ذلك منذ 2020، والآن للأسف عدت أنظر للحرام، والعادة السرية، وتركت النوافل، وبالي مشغول بفتاة محترمة.
حائر: هل أسمع كلام أهلي وأتزوج وأعف نفسي؛ لأني بدأت بالعودة إلى الحرام؟ في حين أني خائف من ظلم الفتاة لأني ربما أموت سريعا بسبب مرضي!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أخانا- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن ييسر لك الحلال، وأن يهديك لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو.
ونبشرك بأن من الذين يعينهم الله تبارك وتعالى المتعفف الذي يطلب النكاح، واعلم أن في الزواج خير، ومن تزوج فقد استكمل نصف دينه، فليتق الله في النصف الآخر، فلا تتردد إذا طلب منك أهلك أن تتزوج، واعلم أن الآجال بيد الكبير المتعال، وليس صحيحا أن الإنسان يقدر لنفسه أنه سيموت، فكم من سقيم عاش حينا من الدهر، فالعبرة ليست بالمرض، ولكن العبرة بالأجل الذي حدده الله للإنسان.
وعليه: أرجو أن تستمع كلام الأهل، وتتزوج، وتعف نفسك، والإنسان عليه أن يعف نفسه حتى ولو لم يبق له في الدنيا إلا يوم واحد، وهذا ما حصل من الصحابة الكرام في طاعون عمواس، فإن معاذ بن جبل أصيب بالطاعون، وسبقته الزوجة الأولى ثم الثانية، فقال لهم وهو في تلك اللحظات: "زوجوني"، قالوا: "يرحمك الله أنت تموت!"، قال: "فإني أكره أن ألقى الله أعزب"، هكذا كان حرصهم في أن يتزوجوا.
إذا كان الأهل قد طلبوا منك الزواج الآن فلا تتأخر، واعلم أن الآجال بيد الله -تبارك وتعالى-، والصحابة أيضا كانوا يفعلون ذلك، فإن سعيد بن العاص تزوج أم حكيم أرملة عكرمة -عليهم جميعا رضوان الله-، بين يدي معركة مع الروم، وبنى بها، وأولم بعشاء حتى أحاط بهم الروم، ومع ذلك دخل المعركة ليمضي إلى الله، وخرج حنظلة إلى الجهاد صبيحة يوم زواجه، واستشهد في المعركة، فغسلته الملائكة، فما كانوا يتأخرون في مسألة طلب العفاف والزواج مهما كانت الأسباب، وبالتالي إذا لم تبق لك من الدنيا إلا لحظة أو ساعة فتزوج فيها، لتموت وأنت مطيع لله، لتموت وأنت تفكر في الحلال الذي رزقك الله تبارك وتعالى إياه.
وعليه: أرجو أن تطرد هذه الوساوس، وهذه الحجة مرفوضة وغير مقبولة، وهي ليست حقيقية لأن الأعمار بيد الله، إذا مات الإنسان فليس مسؤولا عن أولاده وأطفاله،؛ لأن الرزاق هو الله -تبارك وتعالى-، ليس الأمر كما يفهم الناس، وهذا كلام مخيف؛ أن يظن الأب أنه الذي يأتي بالأرزاق، نحن نقول: هذا الأب ما عرفناه إلا أكالا كما قالت المرأة الصالحة، أما الرزاق فإنه حي لا يموت.
عليه: أرجو أن تستجيب للأهل في موضوع الزواج، واعلم أنه يتأكد في حق أمثالك الذين يمكن أن يقعوا في الحرام، وفي ما يغضب الله -تبارك وتعالى-، ونذكرك بأن المعاصي لها شؤمها وثمارها المرة، فإن للمعصية ظلمة في الوجه، وضيقة في الصدر، وتقتيرا في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق.
أما الطاعة فلها ضياء في الوجه، وانشراح في الصدر، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، فاحرص أن تكون مطيعا لله -تبارك وتعالى-، ومن أهم الأشياء التي تعينك على أن تستقيم على هذا الشرع، أن تكون متزوجا لتعف نفسك، ونسأل الله أن يسهل أمرك.
ومرة أخرى: لا تتردد وقد أتتك فرصة الزواج، ونسأل الله أن يجعلنا وإياك ممن طالت أعمارهم، وحسنت أعمالهم.