السؤال
لا أدري بماذا أبدأ! لكن مشكلتي بدأت من عمر عشر سنوات.
كنت الأكثر دلالا بين إخوتي الأربعة لأني الصغرى، والآن الفرق بيني وبينهم كبير، لم يكن ينغص حياتنا إلا مشاكل والدي ووالدتي، وعدم نسيان والدتي ليوم واحد أنها تزوجته مجبرة، مع أن سمعته قبل الزواج لم تكن جيدة، لكنها اليوم تعاقبنا جميعا على صبرها من أجلنا، وتتمنى لو لم تصبر ليوم واحد، وصارت تكرهني بشدة؛ لأني الوحيدة الموجودة عندها.
جميع إخواني متزوجون خارج البلاد، ولا توجد إهانة في الدنيا لم توجهها لي، وأمام الناس تعاملني كطفلة حتى الضرب أضرب في سني هذا، وتقول لي أكرهك، وعمري ما كرهت أحدا مثلك!
لكن مشكلتي بدأت حيث لم أعد كالسابق، أصبحت أغضب بسرعة، وقد أصرخ، لم أعد أشعر بما أفعل، لكن سرعان ما أفيق وأعتذر، لكنها ترفض اعتذاري وتقاطعني، وأحاول، وفي كل مرة ألقى سيلا من الإهانات، وأحيانا تصل لضربي، أعرف أنها أمي وليس من حقي أن أرد أوأرفع صوتي عليها، لكنها أصبحت تدوس على كرامتي كإنسانة، فهي تشبهني بالحيوان أوتعيرني بأي شيء قلته لها عن نفسي.
لكن ما جعلني أكتب هو أنها الآن غاضبة علي، وحاولت أن أعتذر لكنها رافضة، وتريد أن تسافر لزيارة إخواني، وهي رافضة كل الرفض أن تسامحني.
أولا: لأني مقرة بغلطي، لأنها أمي.
ثانيا: أخاف أن يحصل لها شيء وهي لم تسامحني، وخائفة من عقاب رب العالمين، وهي رافضة أن تسامحني، كل الذين يعرفوننا أنا وإخواني يقولون: إن أخلاقنا -ولله الحمد- طيبة، إلا أمي فهي تنظر للناس كلهم على أنهم طيبون إلا نحن، أتمنى أن أعرف ما الذي يحول المحبة إلى كراهية؟! فبعد أن كانت أمي لا ترى الدموع في عيوننا أصبحت هي سبب بكائنا!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ شيماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن الإنسان يؤجر على صبره على أذى والديه، ويؤجر على إحسانه إليهم، وإذا كانت المسلمة مطالبة بالإحسان إلى كل من أساءت إليها فكيف إذا كانت الإساءة من الوالدة التي تعبت وسهرت؟! قال تعالى: (حملته أمه وهنا على وهن) [لقمان:14].
أرجو أن تلتمسي لهذه الوالدة الأعذار فإنها قد عانت في حياتها من والدكم كما ذكرت، وهي الآن لا تجد من تظهر عليه ضجرها وضيقها إلا أنت، فلا تتأثري بكلامها وتجنبي ما يغضبها، واعلمي أن الناس يعنيهم بالدرجة الأولى ما عندك من أدب ودين، والواجب علينا الإحسان للوالدين، ولكن إذا لم يعترفا بالإحسان أو قابلا كل ذلك بالإساءة فإن الإنسان يعذر في ذلك ولا يعتبر عاقا؛ لأنه يوجد من الآباء والأمهات من يصعب على الإنسان إرضاؤهم مهما فعل، ولذلك جاء بعد آيات البر بالوالدين في سورة الإسراء قول الله تعالى: (ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا) [الإسراء:25].
لا داعي للانزعاج، وإذا حصل للوالدة شيء -لا قدر الله- فلا شيء عليك، كما أن الوالدة مجبولة على المسامحة وإن ظهر لك خلاف ذلك، ولذلك لم توص الشريعة الآباء والأمهات بالأبناء والبنات؛ لأن ذلك أمر فطرت عليه حتى الحيوانات، وإنما كانت الوصايا والتوجيهات للأبناء والبنات.
إذا كانت سمعتكم بين الناس طيبة فاحرصي على أن تكون صلتك بالله قوية، واعلمي أن الإنسان إذا أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله له ما بينه وبين الناس، ولا يخفي عليك أن معظم الآباء والأمهات يعاملون الناس أفضل من أولادهم، وذلك لأنهم يريدون أن يروهم، كما أنهم لا يعرفون من أخلاق الناس إلا الجانب المشرف فقط.
أما بالنسبة لأودهم فهم يعرفون كل صغيرة وكبيرة ويتمنون أن يكونوا أفضل من الآباء والأمهات، وقد يرى الإنسان أما تزجر ابنتها المصلية الصائمة لأنها تريد أن تراها أفضل وأفضل.
ونحن ننصحك بتقوى الله ثم ببر هذه الوالدة والشفقة عليها والتماس الأعذار لها، وأكثري من الدعاء لنفسك ولها فإن الله يحب من دعاه.
ونسأل الله أن يهيئ لك زوجا صالحا يخرجك الله به مما أنت فيه.
وبالله التوفيق والسداد.