السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أفكر في السفر إلى أوروبا للعمل هناك؛ نظرا لصعوبة الأوضاع الاقتصادية في البلاد، ولكني متردد في اتخاذ القرار النهائي، وكنت قد استخرت الله -سبحانه وتعالى-، ولكني ما زلت حائرا؛ فحين أفكر بعقلي أجد أنه القرار الأصوب لي ولأولادي، أما عندما يرجع الأمر لقلبي أتثاقل السفر وترك عيالي وزوجتي وأمي وأبي، فبماذا تنصحونني؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مصطفى حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أخي الفاضل- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.
اعلم -أخي وفقك الله- أن ترك الأوطان والأهل والخلان صعب على النفوس؛ فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهاجر لله وفي سبيل الله، وهو على مشارف مكة يقول حزنا على فراق مكة (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت) رواه الترمذي.
ونصيحتنا لك -أخي العزيز- حتى تطمئن في اتخاذ القرار: لا بد أولا أن يكون قرار الهجرة قرارا مدروسا بعناية وتأن من كل الجوانب، فقرار الهجرة محوري في حياة الإنسان العملية، وينبغي أن يتجرد عن كل أنواع العواطف والانفعالات، وأن تراعي فيه الأولويات والضرورات بواقعية، وتبتعد قدر الإمكان عن اتخاذ القرار في لحظات الانفعال والغضب، أو فترات الضعف والعجز؛ فالقرارات التي تصدرها النفس عند تعرضها للضغوطات المختلفة، أو الانفعالات النفسية، هي قرارات غير منضبطة، وتتسم بالاندفاع والتهور، وينتج عنها غالبا الندم بعد ذلك.
ثانيا: لا بد أن تدرك قضية مهمة جدا، وهي أن الناس يتفاوتون في الحاجة والدوافع التي تضطرهم للهجرة؛ فكثير من الناس يكون قرار الهجرة نابعا عن رغبة في التغيير لا الحاجة والضرورة الحقيقية، أو لموقف سلبي حدث في حياته، أو لظلم عابر وقع عليه، أو بسبب لحظات فشل، فيرى أن الهجرة هي الحل، وآخر يرى ويسمع في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عن بلاد الغرب وما فيها من حرية وأمان وفرص، فيظن أن تلك البلاد هي الفردوس المفقود، فيقرر الهجرة؛ لأنه لا يرى الوجه الآخر وما فيه من تبعات.
ومن الأخطاء التي يقع فيها الكثير عند قرار الهجرة أن يجعل نجاحات الآخرين معيارا لنجاحه أيضا، فحاله: ما دام أن فلانا نجح فلا بد أني سأنجح!، وهذا خطأ وزلل كبير، فقدرات الناس تتفاوت، ومؤهلاتهم ودوافعهم تتفاوت، وبالتالي فالفرص تتعدد وتتنوع وتختلف أمام كل شخص، وهذا يفسر لنا تفاوت الآراء والنتائج والأحوال عند من يهاجر إلى بلاد الغرب.
ويزداد قرار الهجرة تعقيدا وصعوبة عندما يترك الإنسان عائلته وأهل بيته ووالديه، فرغم أن قصده حسن في السعي والهجرة لتحسين معيشتهم وكسب الرزق الحلال -وهو مأجور في ذلك بلا شك-، ولكن عند قرار الهجرة لا بد أن تراعي الأولويات أمام مصير من استرعاك الله إياهم، ففي الحديث يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.. والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم ) متفق عليه.
وهذا يستلزم منك التفكير مليا في وضع عائلتك ووالديك في غيابك؛ لأن ضيق لقمة العيش أهون من ضياع دينهم والتفريط في أمانة وقايتهم من الانحراف والزلل والفساد، يقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة) ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة) متفق عليه.
ثالثا: حتى يزول ذلك التردد وتستطيع اتخاذ القرار، لا بد أن تجيب على أسئلة محورية تساعدك على اتخاذ القرار، مثلا: هل قرار الهجرة نابع عن حاجة وضرورة، أم انفعال ورغبة في الاكتشاف؟ هل عمري مناسب لدخول مغامرة الهجرة وبناء حياتي من الصفر في بلاد أخرى لا أعرف فيها شيئا؟ هل أملك من المؤهلات والخبرات التي تساعدني أن أختصر سنوات الهجرة والحصول على الحرية المالية؟ هل هناك فرصة لتكون عائلتي معي؟ هل أستطيع تكوين خطوط رجعة في حال فشل هذه التجربة؟ هل هناك من أثق به في خلقه ودينه ليرعى أبنائي ووالدي ويعتني بهم حال غيابي؟ هل سأكون قادرا على إقامة ديني والعيش في بيئة تعينني على الخير والصلاح أم لا؟ إلى غيرها من الأسئلة التي ستكشف لك الكثير، وتساعدك على اتخاذ القرار الصحيح -بإذن الله-.
وقبل قرار الهجرة لا بد أن تطلع على حكم وضوابط الهجرة إلى بلاد غير المسلمين.
أخيرا: اجتهد في الاستخارة، ولا باس في تكرارها إلى أن تجد قلبك يطمئن لأحد القرارات، وتوكل على الله، واجتهد في السعي، فكم من فعل يراه الإنسان خيرا وفيه الهلاك والشر وهو لا يعلم، يقول تعالى: (وعسىٰ أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ۗ والله يعلم وأنتم لا تعلمون).
وفقك الله وسدد خطاك، وألهمك الرشد في القول والعمل.