السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عمري 16 سنة، أسكن مع والدتي منذ صغري؛ بسبب طلاق والداي، لذا لم أعش مع والدي، ولكنني أتواصل معه.
أمي شخصية ضعيفة مسالمة، لا ترد على من يعتدي عليها أو يظلمها، ولكنها في المقابل تفرغه علي، فتشكو لي منذ صغري من والدي وعائلته دون كلل، وتخبرني عن ظلمهم لها، وتحكي لي الماضي بأدق التفاصيل، وكيف أبكوها.
لكنها حين تتكلم مع والدي تكون بحالة عادية، لدرجة أنني لم أفهم ما المطلوب مني؟
ولقد راودتني أفكار لأنتقم لها من خلال قطع وصلهم، إلا أنني تراجعت؛ لأنني لست طرفا فيما حدث، رغم أن أمي جعلتني أحس بأنني بالفعل لدي علاقة بالأمر.
كما أن والدتي سليطة اللسان معي، فهي لا تنفك عن سبي على أتفه الأشياء، وسريعة الغضب، وحسب رأيها فيجوز لها أن تسمعني وتنعتني بأسوأ الكلمات؛ لأنها أم، وإذا رددت عليها فإنني سيئة الأخلاق، رغم أن الجميع يثني على أخلاقي.
أحاول في بعض الأحيان أن أتقبل كلامها الجارح وأكون بارة، رغم أنني أظن بأنني لا أستحق، فأنا في بعض الأحيان لا أستطيع الصمت عن الإهانة، وإن صمت فإن أفعالي تتحدث!
وكلما حاولت الحديث معها عن الأمر تتجاهلني، فماذا أفعل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لينة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، وهذا السؤال يدل على نضج وعقل، ونتمنى أن يكون لك دور في التخفيف على الوالدة، واستمري في حسن التعامل مع كل الأطراف؛ فإن الوالد يظل والدا وإن قصر في حق الوالدة، والوالدة تظل والدة وإن قصرت في حق الوالد، أو قصرت في حقك، ولذلك قومي بما عليك من البر.
ونذكر دائما بناتنا والأبناء بأن البر طاعة لله تبارك وتعالى، ولذلك لا يتوقف على إحسان الوالد أو إحسان الوالدة.
علينا أن نقوم بما علينا سواء قاموا بما عليهم أو قصروا في القيام بما عليهم؛ لأن الذي يجازينا ويجازيهم، ويحاسبنا ويحاسبهم، ويسائلنا ويسائلهم هو الله، فلذلك استمري على ما أنت عليه من البر للوالدة، وحسن الأدب، وتحمل كلماتها، وتفادي أصلا ما يغضبها.
نحن نريد أن نقول: إذا كان الإنسان سليط اللسان، ويشتم، ويقول كلمات لا تعجبنا، فيجب أن نتفادى ما يغضبه، ونقلل من الاحتكاك به، فأنت أعرف الناس بالأمور التي تغضب الوالدة، وبالأمور التي تجعلها تسيء، أو تتطاول، أو تشتم، فإذا تفادينا ذلك قللنا مثل هذه الكلمات الجارحة التي أرجو ألا تأخذ أكبر من حجمها، وليس معنى هذا أننا نؤيد الوالدة، بل نحن نرفض هذا، ولكن إذا لم نصبر على الوالدة فعلى من يكون الصبر!
أما عندما تشكو الوالدة من الوالد: فالمفروض هنا هو الدعم المعنوي، والشكر على الصبر، وتطمينها: أن الله سيعوضك، وأنك نموذج للأم، ونحو ذلك من الكلام؛ فإن الكلمة الجميلة والمواساة للإنسان نافعة ومؤثرة، ونحمد الله أن هذه مهارة النساء التي يجدنها أكثر، فإذا وجدت صديقتها حزينة تواسيها، فكيف لا تواسين الأم وهي حزينة، وهي تذكر هذه المواقف، وذكرها لهذه المواقف وبهذه التفاصيل يجب أن تكوني مستمعة جيدة، وتقولين لها: (احمدي الله الذي صبرك، وأنت نموذج للأم العاقلة الصابرة، نسأل الله أن يعوضك، فالذي يفعل الخير سيجد الخير، والذي يفعل غير ذلك سيجني ثمار عمله القبيح...) ونحو ذلك من الكلام.
وإذا كلمت الوالد أيضا ترضيه؛ لأن الإنسان قد يجد نفسه في معادلة صعبة، هل يرضي الوالد، أم يرضي الوالدة؟ ونحن نقول: يرضي الوالد ويرضي الوالدة.
فإذا كنت مع الوالدة فأسمعيها ما يسرها، وتعاطفي معها فيما أبكاها وأحزنها وآلمها من كلام ومواقف، وإذا كنت مع الوالد فلا تذكري له ما ذكرته الوالدة، ولكن عامليه كوالد بأحسن المعاملة، وإذا كلمك أيضا فتعاطفي معه، وأظهري له الطاعة والاهتمام، وكذلك أهل الوالد؛ لأنهم رحم، وأهل الوالدة كذلك، هؤلاء جميعا رحم، أعمام وعمات، أخوال وخالات، هؤلاء جميعا حقهم أن يجدوا منك المعاملة الحسنة.
ويا بنتي: هذه الحياة مدرسة، ونحمد الله أنك وصلت لهذا العمر بهذا النضج وبهذا الوعي، فلا تتضايقي مما يحدث، وكوني مستمعة جيدة، وتعاطفي مع الوالدة، ووفري لها الدعم المعنوي، واسمعي كلامها، وتفادي الأمور التي تغضبها، واحرصي دائما على أن يكون همك إرضاءها، فإن رضيت فهذا أمر عظيم، وإن لم ترض وأنت على صواب فلا شيء عليك، ولا حرج عليك من الناحية الشرعية.
وتقبلي كلامها، مع حسن الاستماع إليها -مهما كان الكلام- فهو المطلب الشرعي، وتذكري أنك لا تعاملين زميلة، بل تعاملين والدة، فليس هناك مقارنة، إنما عليك أن تستمعي، وتصبري، وتحرصي على كل أمر يرضيها، ولا تظهري أيضا بأفعالك أنك غير راضية، ولكن تجنبي هذا الموقف بالتشاغل بأمر، أو بالابتعاد عن المكان، ولا مانع من أن تحاوريها وتناقشيها في الوقت المناسب للنقاش.
ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.