السؤال
السلام عليكم.
قرأت مواضيع كثيرة تشبه حالتي، ولكنني أريد أن أفضفض! أنا شاب، عمري اليوم 30 سنة، بلا عمل، جالس في المنزل، منعزل عن العالم، لدي رهاب اجتماعي بسبب شكلي، وتحديدا رأسي العريض، وأنفي العريض وراثة عن الجد والوالد -خلقة رب العالمين-، لا أسخط على شكلي، فأنا مؤمن، أداوم على الأذكار، وأصلي وأواسي نفسي وأصبر.
ولكن رأي الناس والمجتمع وتصرفاتهم دمرت نفسيتي! شخصيتي قوية، وأستطيع الدفاع عن نفسي، وآخذ موقفا وأرد، ولكن الكثرة تغلب الشجاعة، الناس والمجتمع اليوم ذئاب لا ترحم، ويعتبرون التنمر والسخرية من الناس يرفعهم، ويجعلهم أفضل من الشخص الذي يستهزؤون به.
قرأت كثيرا عن عمليات التجميل، وأنا متأكد أنها محرمة في حالتي؛ لأنني لست مشوها، أو مكسورا، شكل أنفي أفريقي كبير مع أنني أبيض البشرة، وهو خلقة الله، وليس عيبا، ولكن الناس والشيطان يؤثرون علي بكلامهم والضحك مني أينما ذهبت، حتى الجيران والأقارب والبقالة والمسجد والمدرسة، أينما ذهبت أجد التنمر.
عندما أرى وجهي بكاميرا الجوال، تتعب نفسيتي أكثر؛ لأنني أصدق كلام الناس، مقتنع أنني لست جذابا، ولست على قدر من الجمال، وازدادت المصيبة، وتعبت نفسيتي بتساقط شعري، وأصبحت أصلعا، ورأسي وجبيني عريضان، يعني ازداد عدم ثقتي بنفسي أكثر.
وبما أن أنفي الكبير الضخم اللحمي الذي أصلا مهما فعلت به من تجميل، فلن تنجح أي عملية في تصحيحه؛ لأن الأنف اللحمي من أصعب عمليات التجميل، وحرام في الإسلام تغيير الشكل، ولن أغيره، لكن أريد نصيحة بلا مجاملة، ماذا أفعل كي أعيش بسلام؟ علما أن الزواج حذفته من دماغي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لك دوام الصحة والعافية.
أولا: نقول لك الحمد لله أنك راض بما قسمه الله لك، وهذا إن دل، فإنما يدل على قوة إيمانك، ورضا الله تعالى، وهو الخالق هو المهم والأهم، وليس إرضاء المخلوق، والميزان هو حسن الخلق، وليس الشكل أو اللون أو القامة، إن الله تعالى ينظر إلى القلوب، وليس إلى الأجسام؛ لأن التقوى في القلب كما تعلم، وكما قال نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
أما الذين يسخرون منك ويتنمرون عليك، فهؤلاء من الجهلة؛ لأنهم لا يدركون الذنب والجرم الذي يقترفونه بسبب هذه السخرية التي نهى الله تعالى عنها في الآية الصريحة التي يقول فيها الملك عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسىٰ أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسىٰ أن يكن خيرا منهن ۖ ..) فلم يخير أي إنسان في شكله أو في خلقه كيف يخلق، ولم يخير أيضا في انتقال الصفات الوراثية وما إذا كانت مرغوبا فيها، أو غير ذلك، وهؤلاء الذين يسخرون لم يحصلوا على ما هم عليه من الأشكال بسبب ذكائهم أو جدارتهم، وإنما الله تعالى هو الذي أعطاهم وهم ممتحنون فيها، وممتحنون في ما أعطاهم الله من صحة أو عافية أو جمال، أو ما إلى ذلك.
والتميز -أيها الأخ الفاضل- يكون بالعلم وبالأخلاق، وهذا هو سبيلك في تغيير الاتجاهات، أو في تغيير اتجاهات الناس حولك، وليكن ذلك دافعا لك لإيجاد مكانة مرموقة بين العلماء والمفكرين والمبدعين، وتصبح نجما يشار إليه في أي باب من أبواب العلم، أو في أي فن من فنون الحياة، فما زالت الفرصة أمامك للتعلم والارتقاء بنفسك، فتنقلب السخرية إلى إعجاب بما لديك من مهارات تم اكتسابها بالمثابرة والاجتهاد والعزيمة، إلا أنها استعصت على الآخرين، وسيوفقك الله سبحانه وتعالى؛ لأنك راض؛ ولأنك ممتثل لأوامره؛ ولأنك تطيعه كما ذكرت، وهذا شيء تحسد عليه، وأخيرا نقول لك: اختر الطريق الذي يسمح لك بتفجير قدراتك وإمكانياتك، ولا تشغل نفسك بتعليقات الآخرين؛ لأنهم قوم لا يفقهون.
واعلم أيها الفاضل: أن للناس عيوبا كما لهم محاسن، وخاصة الذين يسخرون منك، ربما تكون لديهم العديد من العيوب، ولكن سترها الله سبحانه وتعالى، وربما يريدون أن يغطوا على هذه العيوب بإشعار الآخرين بالنقص والسخرية منهم.
وتقبل حالتك يكمن في عدم مقارنة شكلك بالآخرين، وبالتركيز على ما لديك من إيجابيات ومحاسن، قد لا تكون موجودة عند الآخرين، وأن تضع معيارا قويا ينبني على التقوى، وهو المعيار الذي يميز حقا بين الناس.
وأما مواجهة أي شخص يعلق على شكلك، فنقول لك: قم بسؤاله، اسأله هذا السؤال: من الذي خلق أنفي وجعله بهذا الشكل؟ فسيضطرب هذا الشخص الساخر؛ لأنه لا يستطيع أن يعيب الخالق، وسيصمت ويراجع نفسه.
ثانيا: انظر إلى من هم دونك من الناس وإلى أصحاب التشوهات والإعاقات العقلية والحسية والجسدية، كيف استطاعوا أن يتقبلوا أنفسهم، ولم يكترثوا حتى بنظرات الناس إليهم، بل تفوق بعضهم في مجالات حياتية لم ينجح فيها الأصحاء، فتغيرت نظرة الناس تجاههم، فمشكلتك – أيها الأخ الكريم – تعتبر بالنسبة إليهم لا شيء، ولكي توقف السخرية، عليك بعدم إظهار ردة الفعل؛ لأنه كلما شعر الآخرون بضيقك وعدم قبولك لتعليقاتهم زاد ذلك في الاستمرار بالسخرية منك، وإذا شعروا بأنك راض عن شكلك، فهذا يقلل من ممارسة هذا السلوك البغيض، ولذلك نقول لك: بخس بضاعة هؤلاء، وازدريها ولا تضع لها وزنا، واعلم أن ما بك إنما هو بلاء، وكل منا في بلاء، واعلم أن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل.
أما الثقة بالنفس فتزيد بالإنجاز، وبمواجهة التحديات بالطرق العقلانية لا العاطفية، وبالتقوى ومحبة الله تعالى ورسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم-، فإذا أحبك الله أحب فيك خلقه، وسخر لك عباده -بإذن الله-.
وفقك الله وسدد خطاك.