أشكو من التوتر والتعرق الزائد عند مواجهة الناس، فما العلاج؟

0 35

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شكرا لكم، وأحسن الله إليكم.

معكم الأخ محمد، من الأعاجم، -الحمد لله- أنا أحيانا أكون خطيب الجمعة، وأكثر الأيام أصلي بالناس، لكن مشكلتي أني أعاني من التعرق الزائد تحت الإبطين، وكذلك رائحة العرق عند مواجهة الناس فقط، وكذلك الخجل الشديد، والقليل من الخوف عندما أوجه نظري إلى بعض الناس، وفي هذه الأيام أصبت برعشة اليدين اليسير، واهتزاز الجسم المفاجئ بغير إرادتي عندما جلست للتشهد، وعندما أصلي السنة في المسجد أشعر أن أحدا منهم يراقبني، ويحصل ذلك الارتعاش.

سألت أمي عن حالي عندما كنت طفلا، فقالت لي إنني في صغري أصبت بمرض شديد وكدت أن أموت، ولما شفيت كنت أخاف كثيرا إذا لم تكن معي، وكنت أستحي كثيرا من الغرباء، وأنا أعرف أني نشأت خجولا من الغرباء، وكنت أمضي طوال اليوم في البيت.

درست الابتدائية وأنا لا أعاني من أي شيء إلا القليل من الحياء، والخوف، وكنت لا أحب مخالطة الناس، ولا أجيب عندما يسألني المعلم، إلا أني كنت ألعب مع غيري من الأطفال، وكنت أحصل على الترتيب الأول -والحمد لله-، وبعد ذلك حفظت القرآن، وعندما دخلت في الثانوية أصبت بكثرة التعرق، وما يتبعها من الرائحة الكريهة، حتى الآن مازلت أعاني منها.

عشت حياتي وأنا حزين، وأفكر كثيرا في هذا العيب، وأبحث عن الحل، وحتى الآن لم أجد حلا، ولست أعاني من أي أمراض أخرى.

أرجو أن تخبروني عن مرضي، وتصفوا لي الدواء والحل، نفع الله بكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونرحب بك -يا أخي-، وما شاء الله لغتك العربية متميزة، وقطعا لا خير لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، فحياك الله وبارك الله فيك.

أنا تدارست رسالتك هذه، وأقول لك إن الأمر -إن شاء الله- بسيط جدا. الذي تعاني منه يسمى بالهرع، أو الخوف، أو الفزع الاجتماعي، وهو نوع من القلق يحدث للإنسان عند المواجهات، وهو يتفاوت من إنسان لإنسان، وقد تكون له أسباب كما في حالتك، فما ذكرته لك الوالدة مهم جدا من ناحية السببية، وفي بعض الأحيان لا يوجد سبب، أو إذا وجد السبب لا يتذكره الإنسان؛ لأنه لم يعطه الأهمية في وقته.

عموما هذه الحالات مكتسبة، يعني ليست موروثة، ليست من الفطرة، فإذا يمكن أن تعالج؛ لأن الشيء المكتسب يمكن أن يفقد من خلال التعليم المضاد.

أيها الفاضل الكريم: يجب أن تحقر فكرة الخوف، وأنا أؤكد لك تماما أن المشاعر التي تحدث لك من تعرق ومن رائحة العرق، وربما أيضا شعور بخفة الرأس، والشعور أنك مراقب من قبل الآخرين، وتسارع ضربات القلب، -أيها الفاضل الكريم-: هذه كلها تجارب خاصة بك أنت، لا أحد يشاهدها، ولا أحد يراقبها.

قام أحد العلماء النفسيين الكبار بتصوير حوالي 22 شخصا يعانون من الخوف الاجتماعي، قام بتصويرهم عن طريق الفيديو حين كانوا يتعرضون لمواقف اجتماعية شديدة، وقام هذا العالم بعرض هذه الفيديوهات عليهم على كل واحد منهم، حين كان في ذاك الموقف الذي يعتبره موقفا كارثيا بالنسبة له، لأنه قد تعرض لما يخافه ولما يتوجس منه، وحين شاهدوا هذه الفيديوهات اقتنعوا تماما أن الأعراض التي كانوا يشعرون بها فيها مبالغة كبيرة جدا، فالذي قال إنه كان يتلعثم اتضح أنه لا يتلعثم، والذي قال إنه كان يتصبب عرقا اتضح أن العرق كان بسيطا جدا، والذي قال إنه سوف يفقد السيطرة على الموقف، وأنه يشعر أو يحس بخفة في الرأس، وأنه ربما يسقط؛ هذا كله لم يكن صحيحا.

فيا أخي الكريم: هذه المشاعر مشاعر تخصك أنت، أرجو أن تكون هذه النقطة مطمئنة لك، والعلاج يكون عن طريق المواجهة وعدم الهروب من هذه المواقف. المواجهة نسميها التعريض، أن تعرض نفسك للموقف، مثلا: إذا كنت تود أن تذهب لمناسبة (زواج مثلا أو فرح، أو حتى لتقديم واجب عزاء)، أريدك أن تتصور هذا الموقف قبل الذهاب، تتصوره بكل تفاصيله وتقوم بسرده في خيالك، من الخطوات الأولى إلى النهاية، هذا نسميه بالتعرض في الخيال، وهو علاج، وعملية التعرض في الخيال يجب أن تستغرق عشر دقائق على الأقل، بعد ذلك حين تذهب إلى الموقف سوف تجد أن الخوف كان أقل كثيرا.

إذا التعرض في الخيال، ثم التعرض في الواقع، ولا تتجنب أبدا. إذا الإكثار من التعريض، لا تتجنب، وأنصحك بأن تقوم بأنشطة اجتماعية مهمة جدا للعلاج، أهمها ممارسة رياضة جماعية، -ما شاء الله- أنت في سن رياضي وطالب، فمثلا لعب كرة القدم مع بعض الزملاء -زملائك من الطلاب- هذا أمر علاجي ممتاز جدا، أن تجلس أيضا مع أصحابك، أن تحرص على صلاة الجماعة، و-ما شاء الله- أنت حافظ للقرآن، ومتى وجدت فرصة لأن تصلي بالناس صل بهم، ويمكن أن تطيل القراءة متى ما كان ذلك مناسبا، هذا كله نوع من التعريض، التعريض، التعريض، التعريض، وفي نهاية الأمر سوف تجد أنك قد تحسنت كثيرا.

هنالك أيضا تمارين الاسترخاء، تمارين التنفس المتدرجة، وتمارين شد العضلات وقبضها ثم إطلاقها أو استرخاؤها، مفيدة جدا، وإسلام ويب لديها استشارة تحت رقم: (2136015)، يمكنك الاطلاع عليها وتطبيق ما ورد فيها، و-إن شاء الله تعالى- سوف يفيدك ذلك كثيرا، وأيضا توجد برامج كثيرة جدا على اليوتيوب توضح كيفية ممارسة تمارين الاسترخاء.

بعد ذلك -أيها الفاضل الكريم- بقي أن أصف لك الدواء، و-إن شاء الله تعالى- سوف أصف لك دواء مفيدا وفاعلا وسليما، الدواء يسمى (سيرترالين Sertraline)، هذا هو اسمه العلمي، وربما تجده تحت مسميات تجارية كثيرة، أشهر هذه المسميات التجارية (لوسترال Lustral)، أو (زولفت Zoloft)، المهم اسأل عنه تحت مسماه العلمي، والحبة تحتوي على خمسين مليجراما، أريدك أن تبدأ بنصف حبة -أي خمسة وعشرين مليجراما- يوميا لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعلها حب واحدة يوميا لمدة شهر، ثم اجعلها حبتين يوميا -أي مائة مليجرام-، وهذه هي الجرعة المتوسطة، حيث أن الجرعة الكلية مائتي مليجرام في اليوم، لكن لا أعتقد أنك سوف تحتاج لها.

استمر على جرعة المائة مليجرام لمدة ستة أشهر، ثم خفض الجرعة إلى حبة واحدة يوميا -أي خمسين مليجراما- لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم اجعلها خمسة وعشرين مليجراما يوميا لمدة أسبوعين، ثم خمسة وعشرين مليجراما يوما بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم توقف عن تناول الدواء.

يوجد دواء آخر يسمى (إندرال Inderal)، هذا هو اسمه التجاري، واسمه العلمي (بروبرانولول Propranolol)، أريدك أن تتناوله بجرعة عشرة مليجرام صباحا ومساء لمدة شهرين، ثم عشرة مليجرام صباحا لمدة شهر، ثم توقف عن تناوله.

إذا هذه هي الأدوية المناسبة، وهي أدوية سليمة، وغير إدمانية، وغير تعودية، و-إن شاء الله تعالى- سوف تستفيد منها كثيرا. فعالية الدواء الحقيقية تبدأ بعد ثلاثة إلى أربعة أسابيع من بدايته، وتوجد أدوية أخرى كثيرة، لكن هذه هي الأفضل، وهذه هي الأنسب، وأسأل الله لك العافية والشفاء، وأشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

مواد ذات صلة

الاستشارات