السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالب بسلك الدكتوراه، حصلت على الماجستير في القانون الخاص قبل سنتين، ومنذ ذلك التاريخ وأنا أحاول الحصول على وظيفة في الدولة، كالقضاء أو الإدارة، ورغم ذلك لم أوفق لهذا الأمر، رغم أنني أدرس جيدا، وأنا في أمس الحاجة إلى الوظيفة، لأنني أبلغ من العمر 29 سنة، وأحس أن الشباب يضيع دون أن أستفيد شيئا مما درست.
كما أنني أحزن حزنا شديدا حينما أرى أصدقائي نجحوا في هذه المقابلات وأنا دائما أبلغ مرحلة المقابلة الشفوية دون نتيجة، وأحيانا أحس أنني أحسد أصدقائي رغم أنني أحاول قمع هذا الشعور، لا أخفيكم أنني كنت أقوم ببعض الأمور المحرمة في الماضي، غير أنني أقلعت عنها، وأصبحت دائما أصلي في الوقت ولا تفوتني أي صلاة -ولله الحمد-.
إنني أعتصر ألما من هذا الأمر، وأصبحت تراودني فكرة الانتحار عدة مرات، وأستعيذ بالله من الشيطان، وقبل أيام كنت قد اجتزت عدة مقابلات ودعوت الله أن ييسر لي فيها، غير أن الله أراد غير ذلك.
سؤالي: لماذا يحصل معي هذا؟ هل ليس لي حظ في الوظيفة، أم أن الله يختبرني، أم أن ذنوبي القديمة تلاحقني؟ لست أدري ما الحل، ولكن الذي أعلمه هو أنني أحتاج إلى المساعدة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أخي الفاضل- في استشارات إسلام ويب، وأسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.
نشعر بما تعاني منه -أخي الفاضل-، ولكن لا تجعل اليأس يتسرب إلى قلبك، لأن اليأس مفتاح للعجز الذي يوقفك عن أي مبادرة أو سعي حقيقي لكسب الرزق، فتساؤلاتك مليئة بمشاعر الألم والحيرة والحزن، ولكن ثق أن الله له حكمة لا تعلمها، والابتلاء له غاية لا تدركها.
- تساؤلك: (لماذا يقع لي هذا؟) يقع لك هذا ربما ابتلاء وامتحانا، وربما يهيئك الله لأمر أفضل وأهم وتحتاج أن تستكمل الإعداد له، ولا تدري لعلك بعد كل هذه الضائقة ييسر الله لك الفرج الذي ينسيك كل ألم وتعب.
- وقولك: (هل ليس لي حظ في الوظيفة؟) لا تطلق هذه الأحكام حتى لا تتسبب في إحباط نفسك وكسر عزيمتك والوقوع في العجز ولكن قل: "قدر الله وما شاء فعل" فالحكم نوع من القرار يتسبب بعجز النفس عن الاستمرار بالبحث وبذل الوسع، وما يدريك أنه ليس لك حظ؟ فربما حظك في مكان آخر، أو مسلك آخر، أو بلد آخر أو وظيفة أخرى، فلا تعجل -وفقك الله-.
- تقول: (أم أن الله يختبرني؟) لا شك أن الله يبتلي العبد ويختبره، والبلاء ليس شرا محضا، فقد يكون ظاهره شرا ولكن عاقبته خير عظيم للمؤمن، كذلك قد يكون نقصا أو توجيها في حياتك تحتاج استكماله، أو لعل الله يريد أن يفتح لك بابا آخر فيه خير كثير، فثق بالله ولا تعجز.
- كذلك تقول: (أم أن ذنوبي القديمة تلاحقني؟) لا شك أن للذنوب شؤما يلازم صاحبها ما دام قائما على الذنب مصرا عليه، إلا إذا تاب منها توبة نصوحا وصدق في علاقته مع الله، أما شؤم الذنب فلا يلازم الإنسان بعد التوبة، ولكن قد يبتلى الشخص لتكفير السيئات ورفع الدرجات، فمن من الناس لا يذنب ولا يعصي؟ ولكن عليه أن يتوب ويستغفر، فاصرف عن قلبك هذه الظنون، ولازم الطاعات والخير والتوبة على كل وقت.
اعلم -أخي وفقك الله- أن الرزاق هو الله، وأن الله يبسط الرزق ويقبضه لمن يشاء، وما عليك إلا أن تأخذ بالأسباب وتبذل الوسع، لذلك سوف نقدم لك بعض التوجيهات والنصائح التي نسأل الله أن ينفعك بها، وتفتح لك أبوابا وأفكارا مختلفة في كسب الرزق.
أولا: قم بتنويع أسباب الرزق، ولا تتجه لسبب واحد، فكم من الناس يتجه نحو الوظيفة ويجعل الله رزقه في التجارة، لذلك من المهم أن تنوع في البحث عن الأرزاق، ابحث في كل الاتجاهات حتى لو كانت خارج تخصصك، فهناك مسارات تحتاج لمهارة ولا تحتاج لتخصص وخبرة.
ثانيا: وسع دائرة المهارات ولا تقتصر على مهارة واحدة فقط، اكتسب مهارات متنوعة تشعر أن سوق العمل يحتاجها ويرغب فيها وابدأ في تعلمها، انزل إلى السوق واسأل أهل الخبرة والممارسة عن مهارات سوق العمل واكتسب خبرة فيها، فهذا يسهل الحصول على العمل، وعليك أن تقرأ وتنمي مهاراتك، فربما لديك مهارة تتفوق بها عن الآخرين تتناسب مع جانب خارج تخصصك ويكون رزقك فيها.
ثالثا: غير أماكن البحث، فلا تبحث عن العمل في مكان واحد، فربما يكون المكان الذي أنت فيه ممتلئا بأصحاب الخبرات والمؤهلات، ولكن ابحث عن أماكن أخرى تشعر أنها لا تزال بحاجة لتخصصك، قال تعالى: (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ۖ وإليه النشور).
رابعا: مهم جدا أن توسع دائرة معارفك وعلاقاتك العامة، فكثير من أبواب الرزق تأتي بسبب العلاقات العامة، فأخبر الجميع أنك تبحث عن وظيفة وقدم سيرتك الذاتية لأكثر من جهة ولأكثر من شخص، واستخدم طريقة (سلسلة المعارف) فربما دائرة معارفك صغيرة، لكنهم قد يتواصلون مع دائرة أوسع للسؤال عن وظيفة، وهكذا بشكل تسلسلي.
خامسا: خلال فترة الانتظار لا تتوقف عن اكتساب أي مهارة أو تعلم أي مفيد، خصوصا في عالم التكنولوجيا الحديثة، كعالم الإنترنت والتسويق والتجارة الإلكترونية وغيرها من المجالات التي لا يتلفت إليها الكثير، رغم سهولتها وأهميتها، فبادر لدخول هذا المجال الذي لا يتطلب منك مجهودا كبيرا، فقط تعلم وادرس وجرب واسأل أهل الخبرة، وربما يأتيك من الرزق ما يغنيك عن غيره.
أخي الفاضل: لا يفكر في الانتحار إلا إنسان فقد الإيمان والثقة بالله، وأنت إنسان تصلي وتفعل الخير، فلا تجعل الشيطان يصل إلى قلبك بالتفكير بهذه الكبيرة التي تدل على القنوط واليأس، قال تعالى: (ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)، وانظر لمن هم دونك في البلاء ستجد أنك على خير، فهناك من فقد الكثير، فاحمد الله على ما لديك، والحمد لله الذي وفقك للابتعاد عن الانحرافات، ووفقك للالتزام بالصلاة على وقتها، فهذا من أعظم أبواب الرزق والخير يسره الله لك، فاستمر على هذا الخير، وأكثر من الدعاء والتضرع لله تعالى، والمبادرة للخير، والإكثار من الاستغفار والتسبيح -بإذن الله- (إن مع العسر يسرا) وتذكر قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) متفق عليه.
أسأل الله أن ييسر أمرك ويفتح لك أبواب الرزق، ويكفيك ما أهمك من أمر دينك ودنياك.