السؤال
عمري الآن 27 عاما، وبقي لدي القليل لأعيشه بسبب السرطان الذي اكتشفته في مراحله الأخيرة، المشكلة أنني أصبت به عندما كان عمري 22 سنة، لكنني لم أتعالج بسبب الفقر الشديد، ومشكلاتي النفسية، مثل: الاكتئاب، متلازمة التعب، الوسواس القهري، الخوف الشديد من الموت والمجهول، التعرض للقتل، اضطراب تشوه الجسم بسبب تشوه في الفك، وقبح مظهري، التنمر لدرجة عدم الخروج من المنزل إلا عند الحاجة، هوس المثالية، الأفكار الانتحارية، أحلام اليقظة المفرطة الحركية منذ سن الخامسة لدرجة المرض، وأحيانا تختلط علي الأشياء.
رغم محاولتي لملء الفراغ، لكني أجد نفسي تائهة في عقلي، أعاني من كره النفس، العنف اللفظي في المنزل، عادة سرية منذ الإعدادي، التعلق والهوس المرضي بالرجال والرغبة في أن يحبني أحد، فقدان العاطفة والحنان، أمراض قولون مزمنة، ترك الدراسة بعد أن كنت مجتهدة، نسيان وعدم تركيز.
بعد المرض صرت أجبر نفسي على الصلاة وأضاعفها مرتين عند كل فرض، وعوضت كل الصلوات التي فاتتني منذ أن حضت أول مرة، وكنت أصوم كل يوم ما عدا يوم الجمعة، كل هذه السنوات الست رغم السرطان.
كنت أحفظ خمس آيات يوميا، وأذكر الله وأستغفر، وقد حفظت الكثير، لكن بسبب أمراضي النفسية أنسى، لكنني أحاول المراجعة.
اكتئابي لم يتوقف، بل أتمنى الموت كل يوم، ويشتد كرهي لنفسي، وأفكاري ليست ثابتة، وليس لدي شغف بالحياة، بل أنتظر مرور هذا العام لأموت، كما قال الطبيب، فهل تركي للعلاج في البداية (كانت لدي فرصة في التشافي) يعتبر انتحارا؟ لم يكن لدي مال للعلاج، ووالداي فقيران، ويعانيان من كثرة المصاريف، وأردت الموت.
لا أريد دخول النار.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ليلى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لك العافية والشفاء.
لقد تدارست رسالتك -أيتها الفاضلة الكريمة- نسأل الله أن يشفيك من مرض السرطان، والله تعالى قادر على أن يشفيك بسبب أو بدون سبب أو لسبب غريب، أو لسبب بسيط جدا.
فيا أيتها الفاضلة الكريمة: قضية تحديد الأعمار، هذه قد يضعها الأطباء في بعض الأحيان كأشياء تقديرية، لكن أنا لا أحب هذا المنهج؛ لأن الأعمار بيد الله، والمتغيرات موجودة في الحياة، المتغيرات الطبية وغير الطبية، والإيجابية وغير الإيجابية، فكم سمعنا من أناس حددت لهم أيام قليلة للحياة، أو شهور قليلة أو سنوات قليلة، ولا زالوا على قيد الحياة، والعكس تماما هنالك من قيل له اعمل هذه العملية وسوف تعيش عشرين عاما، ثم توفي بعد سنتين، فالأمر يجب أن يفهم على هذه الصيغة، لكن أيضا الإنسان طبعا يكون مستبصرا، هذا المرض قطعا هو ابتلاء وأنت مؤمنة تماما.
فيجب –أيتها الفاضلة الكريمة– أن تلتفتي لنفسك، وتحرصي على الصلاة على وقتها، والدعاء، وأن تعاودي حفظ القرآن؛ فهذا أمر يساعدك كثيرا ويقويك كثيرا لمواجهة هذا الذي تشتكين منه، وأقول لك – أيتها الفاضلة الكريمة -: إن العبد إن استعد وأحب لقاء الله تعالى أحب الله لقاءه، وما أجمله من لقاء!
وأنا أقول لك: استبشري بقوله تعالى: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما} [الأحزاب: 35].
فأنت مسلمة ومؤمنة والحمد لله، وأنت قانتة لله تعالى، ومن الصادقين والصابرين على البلاء إن شاء الله، ومن الخاشعين لله، والمتصدقين –نحسبك والله حسيبك– وأنت من الصائمات ومن الحافظين فروجهم -بفضل الله-، وأنت من الذاكرين الله كثيرا، فاستبشري بقوله تعالى: {أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما}.
أيتها الفاضلة الكريمة: الأمور ليست بالسوداوية والظلامية التي تتصورينها، واعلمي أن الله قدر الموت على كل أحد، وكل شيء هالك إلا وجهه، وأن لكل أجل كتاب، وأجل الله إذا جاء لا يؤخر، وكل شيء بمقدار، وأن (ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها أو النكبة ينكبها)، (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).
إذا: عليك بالتفاؤل مهما كان المرض، ومهما كانت الظروف التي تحيط بالإنسان، وعليك بأخذ أسباب الشفاء، وواصلي مع الأطباء في علاجك، واستعيني بالله تعالى في كل أمورك، والحياة يجب ألا تتوقف، فواصلي حياتك كأنك تعيشين أبدا، واعملي لآخرتك كأنك تموتين غدا، واستثمري كل لحظة في حياتك، {ولا تنس نصيبك من الدنيا}، وأحسني ظنك بالله تعالى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن).
أما بالنسبة لموضوع الانتحار، فالحمد لله تعالى أنت بعيدة عن ذلك تماما، وظروف عدم توفر الإمكانات الطبية أو تركك للعلاج في البداية؛ هذا لا يعد انتحارا، كثير من الناس يترددون حول العلاجات وجدواها ونفعها، فالحمد لله تعالى أنت على خير، وأسأل الله تعالى أن يزيدك إيمانا وثابتا وقوة.
أرجو أن تكوني قوية من الناحية النفسية والمعنوية، وتحسني إدارة وقتك، وتكون لك مشاركات إيجابية في الأسرة، انضمي لإحدى حلق القرآن، والحمد لله تعالى الآن عن طريق برنامج الزوم وغيره توجد حلقات لحفظ القرآن وتعليمه في جميع أنحاء العالم، أعرف أن هنالك حلقات – خاصة نسائية – مستمرة أربعا وعشرين ساعة متواصلة، فالأمر إن شاء الله فيه خير كثير وكثير، وحاولي أيضا أن تكون لك تفاعلات اجتماعية إيجابية مع الصالحات من النساء، والزيارات بقدر المستطاع.
وبالنسبة لموضوع التشوهات في الفك وخلافه: فهذا – أختي الكريمة – أمور يجب أن تقبل؛ لأن الله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، وهذا قدر وقضاء يجب أن يسلم لها الإنسان، ويجب أن يقبل ما قدر عليه، وقد تكون لك خيرا كثيرا.
أختي الكريمة: عليك بالصبر، نعم، الله يصطفي من يشاء من عباده للصبر ولغيره، لكن الصبر يكون بالتصبر، والعلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، والصبر جزؤاه لا يقدر بأجر معين، {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}.
والصبر مثل اسمه مر مذاقته*** لكن عواقبه أحلى من العسل
فاصبري واحتسبي الأجر عند الله تعالى.
أنا حقيقة متفائل كثيرا في حالتك، لكن طبعا لابد أن تأخذي العلاج الدوائي، الذي يحسن من مزاجك، ويخفف عليك وطأة المخاوف والتوترات، وهذا ليس تخديرا، وليس انفصاما عن الواقع، لكنه حق لك الآن، نحن يأتينا كثير من الناس حتى في لحظاتهم الأخيرة ومن واجبنا -والأمانة تقتضي أن نقوم بواجبنا حيالهم- المساندة، والعلاج الدوائي، وتوجد الآن أدوية نفسية كثيرة وممتازة، تحسن من المزاج، ومن الأعراض النفسوجسدية، وأفضل دواء أريدك حقيقة أن تتناوليه عقار (سيبرالكس)، والذي يسمى (اسيتالوبرام) دواء فاعل جدا وسليم وغير إدماني، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية.
ابدئي بجرعة نصف حبة، أي خمسة ملجم من الحبة التي تحتوي على عشرة ملجم. جرعة البداية هذه تتناولينها لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعلي الجرعة عشرة ملجم يوميا لمدة شهر، ثم ارفعيها إلى عشرين ملجم يوميا، وهذه هي الجرعة العلاجية، ويجب أن تستمري فيها لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلي الجرعة عشرة ملجم يوميا لمدة عام مثلا، لا تقولي لي إنني لن أعيش كل هذه المدة، لا، هذا غير صحيح، الأعمار بيد الله.
استمري على هذه الجرعة عشرة ملجم كجرعة وقائية، ويمكنك أن تتواصلي معنا بحول الله وقوته، ونأمل في الله أن يمد في عمرك عمرا طويلا في طاعته، وأن يمتعك بالصحة والعافية، وأوصيك بهذه الوصية: (احرصي على ما ينفعك، واستعيني بالله ولا تعجزي).
نحن سعداء جدا بك، ونتمنى أن نكون قد قدمنا لك النصح والإرشاد الذي ينفعك، ونسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.