السؤال
عانيت في طفولتي من مواقف كثيرة صعبة التحمل من أهلي في سن مبكر، بداية من المرحلة الرابعة الابتدائية، وحدث بين والدي طلاق، كان أبي يفضفض لي عن سوء أمي، وكانت أمي تفعل الشيء نفسه، كانوا دائما يدخلونني بينهما في هذه الخلافات، وأمي تعاملني بإهمال وقسوة منذ طفولتي، عنف لفظي وأحيانا كان يصل للضرب على أسباب لا تستحق.
أنا الآن في المراحل العشرينية، وأحمل بداخلي كرها كبيرا ونفورا تجاههم، ولا أستطيع التعامل مع الأمر، وهذا الشعور يؤثر على حياتي تأثيرا سلبيا وكبيرا، صرت لا أستطيع التكلم معهم أو النظر إليهم أو حتى الابتسام، كل هذا يرهقني جدا، وأحس بالعجز والضعف.
عندما كانت والدتي تتحدث عن مواقف تستدعي قول رأيي، كانت دائما تغضب وتسب، وتجبرنا على أشياء في المعيشة دون أن نرضى، ولكن بطرق غير مباشرة، بأن نستمع لرأيها، ومن كان مخالفا لها -حتى بأدب- كانت تعتبر ذلك من العقوق، وتشتمه وأشياء كهذه.
دائما ما أكون خائفة منها، ومن التعبير عن آرائي أو ما يدور في داخلي، ودائما أحلم بالصراعات معها، وأنا أنهار انهيارا عصبيا شديدا في الحلم، وأحلم أنها تضربني وتشتمني.
حاولت التكلم معها عدة مرات، وأشتكي لما يدور في داخلي تجاهها، بهدف تحسين العلاقة، ولكن دائما أحسها لن تستوعب ما سببته لي من أذى نفسي، وبعض الأوقات تقول عني بأني أعيش دور الضحية، وأمثل هذه الأشياء!
عندما أحاول تجنبها والسكوت تغضب أيضا، بحثت كثيرا عن حلول، لكن دائما أحس أني عاقة بمجرد تجنب التعامل معها لكسب راحتي النفسية، فماذا أفعل؟
أرجو الرد.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Nourseen حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك – أختنا الفاضلة – عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا، وثقتك بهذا الموقع.
نعم مع الأسف الكثير من الأطفال يدفعون ثمن خلاف الوالدين، وخاصة عندما يبوح كل منهما أو يفضفض للطفل الصغير عن الطرف الآخر، وكما حدث معك ومع والديك وأنت في المرحلة الصغيرة هذه الابتدائية.
الأمر الثاني: ما تعرضت له – كما يبدو من سؤالك – على يد والدتك التي من المفروض أن تقوم برعايتك وحمايتك، إلا أنني كثيرا ما أجد بعض الأبناء والبنات أكثر حكمة وأعقل تصرفا من الوالدين في كثير الحالات.
أختي الفاضلة: لا شك أن ما حصل مؤلم، ولكنه ماض وأصبح تاريخا الآن، وواضح من سؤالك أنك تبحثين عن طريقة لمتابعة حياتك متجنبة هذه الصعوبات أو مضاعفاتها.
طبعا من جانب: لا بد أن أذكر لك ضرورة الحفاظ على الحد الأدنى من العلاقة الطيبة أو الإنسانية، كما يقول تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا} [لقمان: 15]، فإذا نهاية هذه الآية بما ورد { فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا}.
أريد أن أطمئنك على أنك إن خالفت رأي والدتك - والذي تعتقدين أنه رأي خطأ – لا أعتقد أنه من العقوق، وإنما هو إبداء الرأي والحكمة والصواب، ولكن هذا لا يجب أن يدفعنا إلى سوء المعاملة، بل يجب أن يكون بأدب، وبأسلوب لا يشعر الوالدة بالتنقص أو التقليل من قدرها، ويجب الاستجابة إلى قوله تعالى: {وصاحبهما في الدنيا معروفا}. هذا من جانب.
من جانب آخر: حاولي قدر الإمكان تجنب المواقف الإشكالية، وربما في هذا السن تجنبي أيضا مواجهة والدتك؛ لأني لا أعتقد أنك ستحصلين على الكثير من التغيير الذي ربما تتأملينه، وأديري نظرك إلى المستقبل بتكوين نفسك وبناء حياتك، وخاصة أنك تدرسين في الجامعة، أدعو الله تعالى لك بالتوفيق والتفوق.
طبعا كل هذا لا يمنع أن تستشيري أخصائية نفسية؛ لأنه واضح أن عندك الكثير مما تريدين التعبير عنه أو الفضفضة فيه، وربما هذا يكون مع صديقة قريبة واعية حكيمة ترشدك وتوجهك، وإن لم توجد فهنا يمكن أن تستشيري أخصائية نفسية، سواء في الجامعة، فبعض الجامعات فيها خدمة الإرشاد الطلابي، فلك أن تستفيدي من هذه الخبرة، وإلا فيمكن أن تكون أخصائية نفسية خارج الجامعة.
أدعو الله تعالى لك بالراحة والتوفيق.