السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا طالبة في حلقات القرآن -الحمد والفضل لله- أتعلم بسرعة، واختباراتي ممتازة، وشاء الله أن تتغير حلقتي، وتكون قريبتي فيها، أشعر أحيانا بالغيرة، وأريد أن أكون أفضل منها، وأتعلم أسرع منها، وأتمنى لنفسي الخير.
أحيانا أشعر بالضيق من هذا الإحساس، وأتمنى التخلص منه، ولا أعرف كيف، فهل حرام علي أنني أتمنى أن أتفوق عليها بتعلم كتاب الله؟ علما أنني أحزن إذا كانت تجد صعوبة في تعلم أحكام التجويد والتلاوة، ولكني أريد لنفسي أن أكون الأفضل، فأرجو المساعدة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رقية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، وأسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.
هنيئا لك -أختي- تعلم القرآن والالتحاق بحلقات التحفيظ، وهنيئا لك التفوق والتميز في هذا المجال، فالانشغال بالقرآن علما وتعلما وعملا خير عظيم يسوقه الله لمن يشاء من عباده، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
أختي الفاضلة: مشاعر الضيق التي تشعرين بها هي مشاعر انزعاج من أن تكون حسدا أو غلا في قلبك، وهذا شائع بين الناس لعدم التفريق بين عدة مفاهيم تتشابه كثيرا كالغيرة والحسد والغبطة والمنافسة والغل، فيحسبها الناس شيئا واحدا، وهذا الضيق دليل حرص منك يدفعك لتجنب كل ذلك، فهي مشاعر إيجابية.
أختي الفاضلة: ما تمرين به هو نوع من المنافسة المحمودة المممزوجة بشيء من الغيرة، فرغبة الإنسان أن يكون هو الأفضل لا مشكلة فيها، بل هذا هو وقود المنافسة لتحقيق الإنجازات في الحياة، خصوصا إذا كانت المنافسة شريفة وقائمة على المثابرة والاجتهاد والتفوق، وتكون المنافسة مذمومة عندما تختلط بالغش والخداع ووضع العراقيل والتشويه.
كذلك قد تمتزج المنافسة بنوع من الغيرة التي تزيدها حماسا وقوة دافعية، وغالبا الغيرة لا تكون إلا مع أولئك الذين اعتدنا على مقارنة أنفسنا بهم ممن يقتربون من مستوياتنا، أو يشابهوننا اجتماعيا مثل الأصدقاء، أو الأقران، ويعرف هؤلاء الأشخاص علميا بمصطلح "مجموعة المقارنة الاجتماعية"، لذلك مشاعرك ظهرت وزادت عندما أصبحت مع حلقة تحفيظ فيها إحدى قريباتك.
ولا تكون الغيرة مذمومة إلا إذا تسببت في ظلم، أو عدوان، أو فساد على الآخرين، لكنها في إطار المنافسة والتفوق بطرقه ووسائله المشروعة تعتبر ظاهرة صحية.
أختي الفاضلة: يتنامى الشعور بالغيرة عندما تسترسلين بالأفكار وإتاحة الفرصة لانتقال الأفكار من مجرد خواطر عابرة إلى مشاعر تلازمك، وتسبب لك الضيق؛ لأن المشاعر إذا لم تتوقف ستنتقل إلى غل أو فعل، وقطع الطريق على هذه المشاعر السلبية عندما تكون مجرد خاطرة، أو فكرة، يكون أسهل وأيسر، فما عليك إلا أن تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، وتتشاغلي بأي شيء يشتت اجتماع تلك الأفكار في عقلك، وبهذا الفعل اليسير، ومع التكرار، تنتهي تلك المشاعر السلبية، خصوصا إذا تم الانشغال بنشاط أو فعل محبب للنفس.
كذلك أختي الفاضلة: من أسباب الوقوع في هذه المشاعر تضخم الأنا، وهذا ناتج عن الاعتداد بالنفس ومقارنتها بالآخرين ممن هم في مستواك، أو أقل منك، فأنت متفوقة وهذا يشعرك بالسعادة، لكن هذا الشعور قد يصل إلى مرحلة العجب، فعندما تنافسك أي طالبة أخرى تشعرين بالغيرة؛ لأنك تخافين من زوال شعور التفوق، لذلك من هدي العلماء والصالحين وعلماء التزكية أن الإنسان مهما ارتفع قدره في أي علم ينظر لنفسه أنه لا يزال متعلما، ولا يزال بحاجة للكثير، كما نقل عن الشافعي - رحمه الله - حين قال:
كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي ... وكلما ازددت علما زادني علما بجهلي.
فعليك -أختي الفاضلة- أن تقطعي الطريق على العجب بتواضع طالب العلم، وبملازمة من يتفوقن عليك بين حين وآخر؛ لتذهب هذه المشاعر، ويعود الاتزان للنفس.
أختي الفاضلة: رغبتك في أن تكوني الأفضل أو الأكثر تفوقا شيء رائع، وليس بحرام أو فيه إثم، ما دام أن وسائل التفوق والتميز أخلاقية ومشروعة تعتمد على البناء الصحيح والاجتهاد والمثابرة، فهذا حصاد مجهودك، لكن من الكمال الأخلاقي لطالب العلم الذي يريد الله والدار الآخرة أن يحب الخير للآخرين، وأن يرجو لهم من الخير ما يرجوه لنفسه، ففي الحديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، رواه البخاري ومسلم، فعليك -أختي- أن ترتقي بأخلاقك إلى هذه المنزلة الرفيعة، وتجعلي تعلم القرآن خالصا لله، نقيا من أي شائبة.
أخيرا -أختي الفاضلة- عليك بملازمة الدعاء والذكر والقرآن وتزكية النفس، حتى تكوني على بصيرة ودراية بمداخل الشيطان ومكايده.
وفقك الله تعالى لما يحب ويرضى، ويسر أمورك، وأذهب همك.