السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة أبلغ من العمر 19 عاما، أدرس في الجامعة، أريد الاستشارة بأمر قد أهلكني بالفعل، وأرهقني نفسيا وجسديا، فأنا أعيش مع أهلي، وللأسف هم ظالمون وقاسون ومؤذون نفسيا وجسديا ولفظيا، ولديهم طاقة سلبية مقلقة للغاية، فهم يكرهونني بشدة، ولا أعلم حقيقة ما السبب؟! رغم أن كل من يراني ويحدثني من الناس يستلطفني جدا؛ لأنني إنسانة نقية جدا من الداخل، ولا يوجد في قلبي حقد أو شر، والله على ما أقول شهيد.
سؤالي: هو كيف أتعامل مع الإساءة والشر والإهانة التي تصلني من هؤلاء الأشخاص الذين أعيش معهم في نفس البيت، وكيف أتأقلم مع هذا الجو الأسري السام؟
أرجو الإجابة، وتقديم النصح لي، ولكم الأجر والثواب الجزيل من الله تعالى.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.
أختي الفاضلة: نستشعر الألم والمعاناة التي تعيشين فيها، ولا شك أن البيئة التي يعيش فيها الإنسان تنعكس آثارها على نفسه إيجابا وسلبا، فنسأل الله أن ييسر أمرك ويذهب عنك ما تجدين.
أختي الفاضلة: يظهر من تأثير الضغوط الواقعة عليك أن أصبح إطلاق الأحكام منك أكثر حدة ومبالغة، فلا شك أنه ما من شاب إلا ويمر بلحظات صعبة داخل أسرته، تختلف كما وشدة وشكلا ونوعا، فتمر في النفس لحظات يطلق منها أحكاما عامة مثل: الجزم بأنهم يكرهون أبناءهم، أو يبغضونهم ... الخ.
أختي الفاضلة: لا شك أن هناك أسرا تشكل بيئة ضغط نفسي على الأبناء، ولكن من النادر أن يكون هذا الضغط من دون أي سبب فالظلم والشدة والقسوة غالبا ما هي إلا نتائج وردود أفعال، فالإنسان وهو واقع تحت أي ضغط لا يرى عيوب نفسه أو التقصير الذي قد يقع فيه وهو لا يشعر، وهذا يعني -أختي الفاضلة- أن لك دورا في إصلاح هذا الوضع، ولا بد من أن تواجهي هذه المشاكل بحكمة ووعي، وتسعي إلى إصلاح جانبك بكل ما تستطيعين.
أختي الفاضلة: من ظاهر سؤالك يبدو أنك تتصفين بشخصية حساسة جدا، خصوصا أنك في بداية مرحلة المراهقة الحساسة، فأخلاقك الحسنة وطيبتك الظاهرة تجعلك تضخمين أبسط المواقف العائلية، ولكونك تعيشين داخل هذه الأسرة فإن هذه الضغوطات تلازمك دائما وهذا ما يدفعك للشعور بالضغط الدائم والمستمر، لذلك سنوضح لك بعض النصائح في كيفية التعامل مع أسرتك ومواجهة هذه الضغوط في بيئتك:
أولا: الحوار الواضح والمباشر، لا بد -أختي الفاضلة- من الدخول في حوار واضح مع عائلتك: إما عن طريقك مباشرة، أو عبر شخص يكون محط تقدير واحترام لدى العائلة، ويتم في هذا الحوار شرح وتوضيح تأثير نتائج تلك المعاملة السيئة عليك وعلى حياتك ونفسيتك، فكثير من العوائل تصدر منهم هذه المعاملة ولا يشعرون بتأثيرها العميق على وجدان أبنائهم وحياتهم النفسية ومستقبلهم، وإعلامهم بذلك ربما يحدث لديهم ردة فعل إيجابية.
ثانيا: امتصاص لحظات العنف من خلال تغيير أسلوب المواجهة، غالبا ردود الفعل الغاضبة تولد ردا غاضبا، وعليك في هذه اللحظات بالصمت أو تمرير الموقف بهدوء، أو الاستماع دون أي غضب، أو يمكن تأجيل الرد إلى لحظات الهدوء، وهكذا يتم تقليل لحظات التوتر بأكبر قدر ممكن.
ثالثا: استغلال لحظات الهدوء، من المؤكد أن هناك لحظات من الهدوء وابتعاد عن العنف والغضب يمكن أن يتم استغلالها للدخول في حوار، ومناقشة بعض الأمور التي تقوي العلاقة، وتمد جسور المحبة بينك وبين عائلتك، أو حل النقاط التي تشعرين بأنها سبب أكثر المشاكل، وهكذا.
رابعا: حمل المواقف على أحسن المحامل من أعظم ما يريح النفس ويذهب عنها الحزن والقلق، بأن تضعي نفسك مكان أحد أفراد هذه العائلة، والمقصود هو أن ردود الفعل الغاضبة ليست بالضرورة دليل كره أو بغض، فقد تكون بسبب ضغوطات تقع عليهم خارج إطار علمك ومعرفتك، وتقدير هذا الأمر يجعل تأثيرها على نفسك أقل حدة، ويمكن تناسيها أو تجاهلها، والتماس العذر بدوافعها.
خامسا: تجنبي شرارة الانفعال، هناك مواقف أو مواضيع أو أمور تستثير لحظات الغضب وتجلب الانفعال للأسرة أو لأحد أفرادها؛ لذلك تجنب هذه الأسباب يساعد على التقليل من الضغوط النفسية عليك، ويجعلك تعيشين بهدوء أفضل.
أختي الفاضلة: حاولي أن تجربي مواقف المبادرة، والانتقال من أن تكوني مجرد ضحية إلى أن تصبحي أنت من يقدم الإنجازات ويكون لها بصمة داخل الأسرة، من خلال أي موقف يشعر الأسرة بأهميتك ودورك بينهم؛ كتميز دراسي مثلا، أو تفوق مهني، أو موهبة متميزة وهكذا، هذا النوع من المبادرات يجعل لك تأثيرا واحتراما وتقديرا يفرض نفسه عليهم.
أخيرا -أختي الفاضلة-: لا تستسلمي لليأس من عائلتك، ولا تردي الإساءة بالإساءة خصوصا مع الوالدين فلهما حق عظيم مهما كان، وعليك أن تثقي بالله تعالى وتقوي صلتك به، وأن تكثري من قراءة القرآن، والذكر والنوافل؛ حتى تعطي قلبك تغذية إيمانية تجعل منك فتاة قوية، وواثقة من نفسك أمام أي ضغوطات تحدث داخل الأسرة أو خارجها.
أسأل الله لك التوفيق والسداد.