السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
توالت علي المشاكل والهموم وعدم التوفيق من كل جانب، وفي الفترة الماضية عندي بعض التقصير في العبادة، ومتساهل في ارتكاب بعض المعاصي، لكني و-لله الحمد- لم أترك الصلاة قط، أو أقع في الكبائر و-العياذ بالله-، وأسعى إلى بر والدي ويدعون لي دائما.
منذ أن بدأت المشاكل تتوالى علي تنبيهات إلى تقصيري، وغيرت من حالي، وبادرت إلى الواجبات والطاعات وترك المعاصي، وأكثرت من الدعاء والصدقة، لكن أشعر باليأس، فحالي لم يتحسن وأسرتي كلهم يعانون من ذات الأمر من قلة التوفيق والهموم، رغم أن والدي لا تفوته تكبيرة الإحرام في المسجد، ويكثر من الذكر وتلاوة القرآن في المنزل، ودائما أسمعه يدعو ويبتهل إلى الله أن يصلح أحوالنا، إذا رأيت دعاء والدي ينتابني و-العياذ بالله- شعور باليأس أن دعواتنا لا يستجاب لها لسبب لا أعلمه، هذا الشعور يكاد يلازمني وأفقدني الخشوع في العبادات أو التلذذ بمناجاة الله واليقين في الدعاء.
أخشى أن يتملكني هذا الشعور ويضعف عزيمتي، ولا أعرف كيف أكبح جماحه! أرشدوني كيف أتعامل مع الإحباط والهموم والشعور باليأس؟ وكيف أقوي إيماني ويقيني بفرج الله؟
شكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ع.س.ا حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أخي الفاضل- في استشارات إسلام ويب، وأسأل الله بمنه وكرمه أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.
أخي الفاضل: نشعر ونتفهم كل ما تمر به، ونسأل الله أن يصلح أحوالك ويذهب همك وحزنك، وقد أحسنت بالسؤال قبل أن يتطور اليأس إلى شك وريب و-العياذ بالله-.
أخي الفاضل: قوة الإيمان لا بد من أن يجتمع فيها "علم وإيمان وعمل"، وهذا أساس مهم ينبغي أن يؤسس المسلم نفسه عليه دون فصل بينها، فلا بد لحدوث الإيمان واليقين من علم يرافقه عمل وسعي.
أخي العزيز: ليس شرطا أن يكون ثمرة الطاعات دائما سعة في الرزق، ولكن قد يكون جزاء الطاعة شيئا آخر يقدره الله بعلمه كراحة في القلب ودفع للشر، أو أمن وأمان أو عافية في الأبدان، فكل هذا من ثمار طاعة الله وتوفيقه، جاء في الحديث: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم؛ إلا أعطاه بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذا نكثر. قال: الله أكثر)، كما أن ثمرة العمل الصالح الحقيقية هي يوم القيامة بين يدي الله تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).
أخي الفاضل: من القواعد المهمة والأسس التي ربما تخفى على الكثير في تحسين الأوضاع، والتغيير من حال إلى حال في حياة الإنسان بشكل عام، أن هناك سننا كونية إلهية لا تتحول أو تتبدل، تضبط سعينا وعملنا في الحياة الدنيا، فالمسلم في تحقيق أهدافه وطموحاته بين أمرين: "جانب مادي عملي، وجانب روحي أخلاقي"، والارتباط والتكامل بينهما مهم، ويكون الجانب المادي العملي يتجه للأسباب المادية المباشر لتحقيق الشيء، والجانب الروحي والأخلاقي داعم ومهذب وضابط لعدم الانحراف في هذا الجانب المادي.
فكونك تصلي وتدعو وتحافظ على الطاعات فهذا خير عظيم، لكن لا بد أن تسعى في الأسباب المادية المباشرة لتحقيق ما تريد من أهداف حسب نوعها، فلو كان هدفك هو تحسين وضعك المادي وزيادة الرزق مثلا فلديك جانب روحي متمثل بالدعاء والاستغفار والصدقة والعبادات، تستعين به في تهيئة نفسك وتهذيبها من أدرانها وأطماعها التي تتحكم في السلوك، ولك جانب مادي أيضا مهم وهو المبادرة في أسباب نجاح التجارة أو الوظيفة وشروط التفوق فيها وما يصلحها وما يفسدها، وأسباب الربح والخسارة وهكذا، فطموحاتنا الدنيوية لها جانب مادي لا بد من النظر فيه بعناية وتحقيق أسبابه المادية والعملية لتحقيق الإنجاز، وهذا الجانب المادي يستوي فيه المسلم والكافر؛ لذلك يتفوق فيه الأكثر علما وإتقانا واستغلالا للأسباب والفرص، فقد يتفوق الكافر لأنه أخذ بقوانين الأسباب المادية أكثر من المسلم والعكس.
فإذا حققت الجانب المادي والروحي ولم تصل إلى ما تريد من أهداف، فتنتقل إلى مرحلة المحاسبة الشخصية ومعرفة مواضع الخلل وأسباب الفشل وتحاول تداركها، والسعي في إصلاحها، وكل هذا سعي في تحقيق أساس مهم وهو العمل بالأسباب، والتوكل الصحيح على الله تعالى.
أخي الفاضل: من أهم أسباب التعامل مع الإحباط أن تعرف أسبابه أولا، ثم التزود بالمعرفة والعلم الذي يدفع عنك أسباب هذا الإحباط، فإن كان الإحباط بسبب تجارب فاشلة فدفع الإحباط يكون بمعرفة طرق النجاح والتعلم الذي يرتقي بالذات، ويكون باكتساب المعارف من التجارب السابقة، ثم الانتقال إلى بناء النفس وتحصينها بالوعي من مسببات الإحباط في التجارب القادمة.
كذلك أخي العزيز: علاج الشعور بالهم واليأس يبدأ بمعرفة أسبابه وبناء الوعي والمعرفة التي تزيل هذه الأسباب، ومن أعظم ما يدفع الهم هو العلم الذي يزول به الخوف من المستقبل، والحزن من الواقع.
ومما يقوي اليقين بالفرج معرفة سنن الله تعالى في تدبير خلقه، وأن بعد العسر يسرا، وأنه ما من شدة تدوم ولا ضر يبقى، وأن الحياة والأيام دول تدور بين الناس، وكذلك مما يقوي اليقين الاطلاع على قصص القرآن كقصة يوسف -عليه السلام- ففيها دواء لكل محزون، وكذلك الاطلاع على السيرة النبوية والنظر في لحظات الشدة التي عاشها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما أعقبها من عز وتمكين.
أخيرا أخي الفاضل: لا بد أن تمارس العبادات والأعمال الصالحة بحضور القلب واستشعار لمقاصدها الأخلاقية والتربوية حتى لا تتحول إلى أداء شكلي، يزول به إثم الترك لكنها لا تربي وتهذب النفس، فالعبادات تسمو بها الروح، ويصلح بها الحال، وتتهذب بها العلاقة مع الله ومع الناس، وتذهب بها الهموم والغموم، يقول تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)، وإذا لم تحقق العبادة ذلك فلا بد من المحاسبة والنظر أين الخلل، فحاسب نفسك -أخي الفاضل- ولا تغفل عن الدعاء بتضرع وخضوع لله تعالى أن يشفي قلبك ويذهب عنك ما تجد.
أسأل الله أن يذهب همك ويفتح لك أبواب الخير من حيث لا تحتسب.