وساوس الشيطان تلاحقني بعد أن تركت المعاصي!

0 46

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب أقيم في منطقة وقع بها الزلزال، كنت قبله أرتكب المحرمات، وأنقطع عن الصلاة، وعند وقوع الزلزال خسرت زوجتي وطفلين، وأصبت أنا إصابة قوية، ما زلت أعاني منها، بعد الزلزال تركت جميع المعاصي، وأصبحت أصلي في المسجد كل الأوقات، وأقرأ القرآن، ودائم الذكر لله، وأصلي النوافل، وأقوم الليل، ولكن جاءني وسواس من الشيطان بعد تعلق قلبي بذكر الله وعبادته، ووصل بي الوسواس إلى حد الكفر، بطريقة فظيعة لا أجرؤ حتى على كتابتها.

لحقت بي الوساوس إلى مكان الخلاء -والعياذ بالله- وصرت أخاف من ذلك خوفا شديدا أن أكون قد وقعت بالكفر حقا.

أرجو الإجابة، بارك الله بكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أولا، أود أن أعبر عن خالص تعاطفي معك لفقدانك زوجتك وطفليك، وللتحديات التي واجهتها بسبب الزلزال، هذه التجارب القاسية يمكن أن تترك أثرا عميقا ومؤلما في النفس والروح.

اللجوء إلى العبادة والتقرب إلى الله في أوقات الشدة هو مصدر قوة وسلوان، ويجب أن تعلم أن هذه الخطوة هي بحد ذاتها نعمة كبيرة، قال تعالى: ﴿ولنبۡلونكم بشیۡءࣲ من ٱلۡخوۡف وٱلۡجوع ونقۡصࣲ من ٱلۡأمۡو ا⁠ل وٱلۡأنفس وٱلثمر ا⁠تۗ وبشر ٱلصـٰبرین﴾ [البقرة ١٥٥].

بخصوص الوسواس الذي تتحدث عنه، يعتبر الوسواس من الشيطان تجربة يمر بها الكثير من الناس، وهو ليس بالضرورة دليلا على ضعف الإيمان، بل على العكس، قد يكون دليلا على قوته ومحاولة الشيطان لزعزعته، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: (وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان).

قال النووي ـ رحمه الله ـ في شرح هذا الحديث: قوله صلى الله عليه وسلم: ذلك صريح الإيمان ـ ومحض الإيمان معناه استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلا عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا، وانتفت عنه الريبة والشكوك، وقيل معناه أن الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغوائه، فينكد عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه، وأما الكافر فإنه يأتيه من حيث شاء، ولا يقتصر في حقه على الوسوسة، بل يتلاعب به كيف أراد، فعلى هذا معنى الحديث سبب الوسوسة محض الإيمان، أو الوسوسة علامة محض الإيمان، وهذا القول اختيار القاضي عياض. انتهى.

وإليك بعض النصائح التي قد تجدها مفيدة في التعامل مع الوسواس:

1. عليك بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند هجوم الوساوس، وذلك بأن تقول "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" حين تشعر بالوسواس.

2. تجاهل الأفكار الوسواسية قدر الإمكان، فكلما أعطيتها اهتماما، كلما ازدادت قوة.

3. الإكثار من الصلاة والدعاء وطلب العون من الله ﴿وٱسۡتعینوا۟ بٱلصبۡر وٱلصلوٰةۚ وإنها لكبیرة إلا على ٱلۡخـٰشعین﴾ [البقرة ٤٥].

4. احرص على الاستشارة الدينية، فالحديث مع عالم قد يكون مفيدا في توضيح أمور الإيمان والكفر، والتغلب على الوسواس، فجالس العلماء وطلاب العلم، وعليك بالجلوس مع إمام المسجد، وعبر له عن ما يصيبك، فالشخص في هذه المرحلة يحتاج لمن يفكك عنه هذه الوساوس، ولا يتركها حتى يستفحل أمرها، وبعد ذلك يكون علاجها صعبا للغاية، فإن الوسواس يفسد الحياة ويحولها لجحيم.

5. إذا لم يتوقف الوسواس، فيمكنك اللجوء إلى المشورة النفسية، فقد يكون للوسواس القهري جذور نفسية، يمكن التعامل معها مع متخصص في الصحة النفسية، وفي العادة إذا كان تقييم الوسواس القهري شديدا، فهنا من المفيد الاستعانة بدواء نفسي بالإضافة للعلاج السلوكي والديني، والدواء عن طريق الطبيب النفسي، وتقييم شدة الوساوس -يمكن استخدام مقياس براون للوسواس القهري-.

6. الانشغال بالأعمال اليومية والروتين الذي يشمل العبادة والذكر يساعد على تقليل تأثير الوسواس.

7. الاستمرار في التواصل مع أصدقاء صالحين، وأفراد الأسرة الذين يمكنهم تقديم الدعم الروحي والعاطفي.

8. الصبر على الابتلاء، والاستمرار في العبادة، فالوسواس من الأمور التي تزيد في الأجر، يقول عليه الصلاة والسلام: (ما يصيب المسلم من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر بها من خطاياه)، وفي حديث آخر: (لا يزال البلاء بالمؤمن أو المؤمنة، في جسده، وفي ماله، وفي ولده، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة).

الشعور بالخوف من الوقوع في الكفر في حد ذاته يدل على وجود إيمان داخل القلب، وقد ورد في الحديث الشريف أن من كان يجد هذه الوساوس فليستعذ بالله منها ولينته، وأن هذا الشعور هو صريح الإيمان، لذلك أنت لم تقع في الكفر بسبب هذه الوساوس، ولكن عليك بمجالسة من يرفع إيمانك، ويوجهك التوجيه الصحيح، ومن الأفضل طلب العلم الشرعي إن كان ذلك بمقدورك.

اعلم أن الله غفور رحيم، وأن التوبة النصوح والعمل الصالح يمحوان السيئات، وأن الله يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، لا تيأس من رحمة الله، واعلم أن مع العسر يسرا.

بارك الله فيك وأعانك على ما أنت فيه.

مواد ذات صلة

الاستشارات