السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شكرا لكم على جهدكم الكبير لشباب الأمة الإسلامية، وبارك الله فيكم، وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
أنا فتاة في العشرين من عمري، مشكلتي هي نفسي الشريرة والخبيثة الأمارة بالسوء، والله لم أعرف هذه الصفات إلا بعد أن ابتليت ببلاء شديد!
أرجوكم اعذروني؛ لأني حقا أريد صلاح نفسي وتقوية إيمانها وتقواها.
الصفات التي عرفتها في نفسي هي:
1- الكبر: كنت أظن نفسي متواضعة جدا، ولكني اكتشفت بأني لم أكن كذلك، فقد كنت طالبة علم شرعي، وكنت وقتها متواضعة ومتدينة جدا، وقد بالغت في ذلك فأصبحت أحتقر الناس عقليا وفكريا.
2- البحث في أخطاء وعيوب الناس، وحاليا أقاوم نفسي على هذا الأمر، وأعلم بأنه داء عظيم، أسأل الله أن يعافيني ويعافي كل مبتلى.
3- التفكير السلبي.
4- سوء الظن.
5- الحسد: إلا أني والله لم أتمن زوال النعمة عن الناس، وعندما أصلي على النبي يزول.
6- احتقار النفس، ولوم الذات في كل شيء، في كل صغيرة وكبيرة.
هذه عيوبي، وأريد أن أكون صالحة، تقية، طيبة القلب، قوية الإيمان. هل في الناس من شره مثل شري؟ أحيانا أقول لنفسي: (أنت لا تصلحين للحياة)، وأشعر بأن الناس اكتشفوا شري، وبأني شخص سيئ.
وصلت لدرجة كبيرة من اليأس، فأرشدوني، وانصحوني، أو عاتبوني، بارك الله فيكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Fatma حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا- في الموقع، ونشكر لك هذا السؤال الرائع، ونؤكد لك أن معرفة الإنسان بعيوب النفس هي الخطوة الأولى لإصلاحها، نسأل الله أن يهديك لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنك سيئ الأخلاق والأعمال، لا يصرف سيئها إلا هو.
لا يخفى عليك أن هذه الشريعة أنزلها الله تبارك وتعالى من أجل أن نهذب أنفسنا، والعظيم سبحانه وتعالى أدب رسوله فأحسن تأديبه، ثم بعثه في الناس متمما لمكارم الأخلاق، جاء -صلوات الله وسلامه- ليزكي النفوس، {يعلمهم ويزكيهم}، وقال ربنا العظيم: {قد أفلح من زكاها}.
فالنفس فيها طباع، والإنسان ينبغي أن يصارعها ليصلح هذه الطباع انطلاقا من شريعة الله تبارك وتعالى التي فيها الدعوة لكل فضيلة ولكل خير، ونبشرك -ولله الحمد- أن هذه العيوب يستطيع الإنسان أن يصلحها عندما يتمسك بشرع الله تبارك وتعالى، ولذلك لما يقول الإنسان: (عندي صفات) نحن نقول -ولله الحمد-: يمكن أن تتغير، فالحلم بالتحلم والعلم بالتعلم، ومن يتصبر يصبره الله، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه، وهنا تجلت عظمة هذه الشريعة.
ولذلك الشعور بالخطأ هو الخطوة الأولى، والحمد لله أنت أشرت إلى أنك لما كنت طالبة متدينة كنت متواضعة، إذا وضحت علاقة العلم الشرعي بالتواضع؛ لأن العلم يعلم الإنسان منزلة هذه العبادة العظيمة التي قالت عنها أمنا عائشة: (إنكم تغفلون عن أفضل العبادات: التواضع)؛ لأن الكبر والمتكبر بعيد من الله تبارك وتعالى، مصروف عن آيات الله، مصروف عن الخير.
وهنا نشير إلى أن معرفة خطر هذه الكبائر وهذه الذنوب من الوسائل التي تعين على الابتعاد عنها.
مسألة الحسد: لا يخلو جسد من حسد، ولكن المؤمن يخفيه، والمؤمنة تخفيه، والمنافقة تبديه. -الحمد لله- أنت لم تتمني زوال النعمة من الناس، ولكن هذا الانقباض الذي يحصل يحتاج إلى مجاهدة، بأن ندعو لصاحب النعمة، ولا مانع من أن نسأل مثيلها؛ لأن مثيل النعمة هو الغبطة، أو نسأل ما نريد، لذلك لما دخل زكريا على مريم المحراب {وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب * هنالك دعا زكريا ربه}، كأنه يقول: يا من أكرمت هذه أكرمني، يا من أعطيتها وأكرمتها أعطني، {هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء} [آل عمران: 37-38]، فوهبه الوهاب الذي يسمع ويرى.
وسعدنا أنك تصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتستغفري وتتوبي، هذه معاني جميلة، وهي أشياء أساسية في الوصول إلى العلاج.
مسألة التفكير السلبي: هذه دائما تعوذي بالله من العجز والكسل؛ لأن العجز نقص في التخطيط، والكسل نقص في التنفيذ، والإنسان ينبغي أن يؤمل خيرا، يفعل الأسباب ثم يتوكل على الكريم الوهاب.
وتجنبي سوء الظن؛ لأنه يقود إلى التجسس، ويقود إلى الغيبة والنميمة، والبحث عن عيوب الناس، وهذا أيضا يظهر على أنك -ولله الحمد- تخلصت منه، فاحمدي الله على ذلك، واعلمي أن أي إنسان يحتاج إلى الاستمرار في المجاهدة، ونحن نحيي هذه الشجاعة، وأيضا نحيي هذه المحاولة للإصلاح، ونبشرك بأن الإقبال على كتاب الله، والتوبة النصوح، وفهم هذه الشريعة، ومجالسة المتواضعات الفاضلات الخيرات، وتمني الخير للناس، والابتعاد عن سوء الظن دائما، والتواضع لخلق الله تبارك وتعالى، واحتقار النفس -ينبغي أن يحتقر الإنسان نفسه، لكن ليس للدرجة التي يرى فيها الناس عظماء ويرى نفسه حقيرا، ولكن المؤمن مطالب بأن يحترم نفسه ويحترم الآخرين- كل هذه الأمور فيها خير كثير وأجر عظيم.
وأنت تصلحين للحياة، وتفكرين بطريقة صحيحة، ونسأل الله أن يوفقك وأن يهديك للحق، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يملأ قلبك طيبة وإيمانا وثقة بالله تبارك وتعالى وتوكلا عليه.