السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بداية أحب أن أشكر كل القائمين على هذا الموقع المبارك، وأسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتكم.
أمي وأبي يتعاملان معي بعفوية؛ فمثلا: إذا كنت في غرفتي يدخلان علي دون طرق الباب ولا استئذان، فأقول لهما: اقرعا الباب أو استأذنا، لكن لا حياة لمن تنادي! أو عندما أكون ممسكا بهاتفي ألاحظ أنهما ينظران معي فيه، فأقول لهما: لا تنظرا معي، فيقولان لم؟ ألإنك تفعل شيئا خاطئا، فأقول: لا، فيقولان تلك المقولة الشهيرة، وأعتقد أنها حديث ثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (الإثم ما حاك في الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس)، ويبدأ الجدال، مع أنني كثيرا ما أحاول أن لا أدخل في جدال معهما؛ لأني سمعت أنه من العقوق، فما حكم قولي لهما بأن يلتزما حدود خصوصيتي؟ وهل هذا من العقوق؟
جزاكم الله خيرا، وبارك فيكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك – ولدنا الحبيب – في استشارات إسلام ويب.
نحن سعداء بتواصلك معنا، كما نحن سعداء أيضا لما لمسناه من كلامك من حرصك البالغ على عدم الوقوع في عقوق الوالدين، ونسأل الله تعالى أن يزيدك هدى وصلاحا وتوفيقا.
ونحن نشد على يديك – أيها الحبيب – في ضرورة معرفة حدود العقوق حتى لا تقع فيه وأنت لا تشعر، فإن عقوق الوالدين معنى واسع يدخل فيه إيذاؤهما بأي نوع من أنواع الأذى، من اللفظ أو الفعل أو النظر أو غير ذلك، فكل ما يؤذيهما لا يجوز لك أن تتعاطاه وأن تفعله، سواء كان بنظرة أو بكلمة أو بتصرف فعلي؛ فهذا كله داخل في معنى العقوق، وهذا العقوق على مراتب بلا شك.
أما مجرد أن تطلب من والديك بأدب وتوقير أن يطرقا عليك الباب قبل الدخول فإن هذا ليس فيه عقوق، ولكن قد يكون العقوق في طريقة هذا الطلب، كأن يكون بطريقة النهر ورفع الصوت، أو بنظرات مغضبة، أو غير ذلك من الأحوال التي قد تقارن هذا الطلب، فاحرص على أن يكون طلبك رفيقا، ذليلا، مؤدبا، فإن الله تعالى أمرك بذلك فقال: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} [الإسراء: 24] يعني: ينبغي أن تكون ذليلا بين يديهما، وهذا الذل الباعث عليه الرحمة بهما والتوقير لهما.
ونحن على ثقة تامة من أن الوالدين يحرصان كل الحرص على نفعك، فهما يحبانك بالفطرة والجبلة التي جبلهم الله تعالى عليها، ولفرط حبهما لك فإنهما لا يزالان يتعاملان معك على أنك صغير، فينبغي أن تتحمل هذا منهما، وأن تحاول أن توصل إليهما ما تطلبه منهما بطريقة محببة إليهما، كأن تمازحهما أحيانا، وتبدي لهما أنك أصبحت كبيرا، ونحو ذلك من التصرفات التي يحبانها منك.
وأما ملاحظتهما لما تتصفحه وتنظر فيه في هاتفك؛ فهذا في حقيقته عون لك على نفسك، فلا ينبغي أن تتضايق منه، وينبغي أن تبدي لهما الارتياح لذلك، وعدم التحفظ، حتى يطمئنا عليك، ويعرفا أنك في خير، وأنك لا تتعاطى شيئا يضرك، فإنهما لرحمتهما بك وحرصهما على الخير لك يقلقان قلقا شديدا حينما تبقى مع هاتفك وتحرص على ألا ينظر فيه أحد، فينبغي أن تبدد هذه الأوهام من قلبيهما بسرورك وإظهار سرورك عندما يشاركانك الاطلاع، وإذا فعلت ذلك فإنهما سيأمنان عليك، وربما عزفا وتركا بعد ذلك هذا الحرص على مطالعة ما تراه.
فنسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يتولى عونك، وييسر لك البر بوالديك، ويزيدك هدى وصلاحا.