السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب من الله علي بالاستقامة منذ سنتين، منذ أن تبت وأنا أبذل قصارى جهدي للأفضل، وتعلمت الكثير من العبادات وقتها، أصلي الرواتب، وأقرأ القرآن، وأحافظ على الأذكار، وأصوم الاثنين والخميس، واجتنبت الكثير من المحرمات التي كنت أقع فيها، لست معصوما وما زلت أقع في المعاصي بطبيعة الحال، أحيانا أتوب لله، وأحيانا أخرى أصر على المعصية، لست مثاليا لكن مشكلتي أشعر وكأني لا أستطيع التقدم رغم رغبتي بذلك.
أريد منكم إرشادي كيف يمكنني المضي قدما؟ أرشدوني إلى عبادات أواظب عليها غير التي ذكرتها. مثال: في الوقت الحالي أعمل على عبادة التهجد، لكني غالبا أواصل النوم وأستيقظ الفجر فقط، أريد مساعدتكم في ذلك، حتى أضيف هذه العبادة العظيمة إلى جدول حياتي.
أتمنى إرشادي في بعض النصائح والكتب البسيطة التي تساعدني في طريقي إلى الله، و-إن شاء الله- سأبذل جهدي، فكما قال الإمام ابن باز: (الطريق إلى الله طويل، ليس المهم أن تصل، بل المهم أن تموت في الطريق).
شكرا جزيلا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Hichem حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أخي الفاضل- في استشارات إسلام ويب، وأسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.
أخي الفاضل: هنيئا لك الاستقامة على طاعة الله، ونسأل الله أن يثبتنا وإياك على طاعته حتى نلقاه، وهنيئا لك هذه الهمة العالية في طاعة الله والتزود للآخرة، فكل خير الدنيا والآخرة في طاعة الله والسير على منهجه.
أخي الكريم: من أعظم ما يحجب عن القلب ثمار العمل الصالح الإصرار على المعاصي، فالإصرار على المعصية ينافي التوبة النصوح، ويذهب لذة الطاعات والشعور بثمرتها على النفس والسلوك؛ لذلك كخطوة أولى -أخي وفقك الله- لا بد أن تبادر إلى التوبة النصوح من كل الذنوب صغيرها وكبيرها، وتحقق شروط التوبة بالإقلاع عن الذنب تماما، والندم على فعله، والعزم على عدم الرجوع إليها؛ فإن ضعفت نفسك في أي وقت فبادر إلى التوبة دون تأخير، أو إصرار، أو تسويف، يقول تعالى: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون).
أخي الفاضل: الشعور بعدم التقدم في الأعمال الصالحة والارتقاء الإيماني؛ سببه ضعف الإيمان في القلب، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)، فالقلب إذا قوي تحركت الجوارح بنشاط وهمة، وشعر القلب بلذة الطاعات وحلاوة الإيمان، وعلاج ضعف الإيمان في القلب بأمور من أهمها:
أولا: التوبة النصوح من كل الذنوب صغيرها وكبيرها مهما كانت، والاجتهاد بتحقق شروط التوبة التي ذكرناها لك.
ثانيا: اجتنب ذنوب الخلوات، وتذكر اطلاع الله تعالى عليك، وأن هذه الذنوب تذهب نور القلب وتضعف الإيمان، وتذهب حلاوة الطاعات والاستقامة.
ثالثا: أكثر من أعمال القلوب، كقراءة القرآن، والدعاء، والضراعة لله تعالى بصلاح القلب، والإكثار من ذكر الله تعالى على كل حال، قال تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب...).
أخي الفاضل: من أعظم الطاعات الجامعة لكل أعمال القلوب وأفضلها هو صلاة الليل، فهي عبادة جامعة للخير، ففيها القرآن، والدعاء، والذكر، والصلاة، والخلوة بالله تعالى؛ لذلك فهي من أرجى العبادات التي تصلح القلوب، وتجد فيها حلاوة الطاعة والقرب من الله تعالى، وهناك موانع كثيرة تحرم صاحبها صلاة الليل، ومن أبرزها:
أولا: المعاصي في النهار؛ فمن عصى الله في النهار حرم الطاعة في الليل، فإن لم يتب الى الله صعب عليه القيام في الليل.
ثانيا: إطلاق البصر في الحرام، فإطلاق البصر يضعف همة القلب في الطاعات، ويجعله أسيرا للشهوات، فيضعف دافعه للخير وسعيه إليه.
ثالثا: الإجهاد في النهار، فمن أجهد نفسه فوق طاقتها، ولم ينل قسطا يكفي من الراحة يصعب عليه قيام الليل.
رابعا: الإكثار من الأكل والسهر، فالإكثار من الأكل يجعل الجسم يسترخي ويرغب في النوم، والإدمان على السهر لساعات متأخرة من الليل يجعل قيام الليل صعبا على النفس.
فعليك -أخي الفاضل- أن تجتهد في تجنب موانع قيام الليل، وتحرص على هذه العبادة، فهي من خير الأعمال التي تصلح القلب، ويمكنك أن تتدرج في قيام الليل، فتبدأ بركعات قليلة ثم تطيل شيئا فشيئا، كما يمكنك أن تقوم أول الليل، أو وسط الليل، حتى تعتاد على هذه العبادة، ثم تنتقل الى آخر الليل وهو أفضلها وأشرفها.
أخيرا أخي الفاضل: ننصحك بالإكثار من الدعاء بالثبات والإعانة على الخير والطاعات، واستغلال إقبال النفس في طلب العلم النافع، وقراءة الكتب التي تبصرك بطريق الاستقامة والهداية، وتعلي من الهمة في العمل الصالح، ككتب الإمام ابن القيم -رحمه الله-.
أسأل الله أن يوفقك للخير، ويعينك على الطاعات، إنه ولي ذلك والقادر عليه.