السؤال
أعاني من وسواس قهري من الموت، وفقد أي شخص أحبه، وأخاف أن لا يغفر الله لي، وأفكر في القبر وعذابه، وأهوال يوم القيامة، وأخاف خوفا شديدا من الله.
أنا أصلي وأقرأ القرآن، ولكن أشعر بالذنب، وأشعر أن كل شيء حرام، لم أعد أستطيع العيش بشكل طبيعي، كما أني أعاني من اكتئاب ما بعد الولادة، حياتي توقفت!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم آدم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك - ابنتنا العزيزة - في استشارات إسلام ويب.
أولا: نسأل الله تعالى أن يصرف عنك كل سوء ومكروه، وأن يذهب عنك هذه الوساوس وينجيك من شرها.
ثانيا: الوسواس القهري - أيتها البنت الكريمة - شر مستطير، وعناء كبير ينبغي لك أن تكوني جادة في محاولة علاجه والتخلص منه؛ فهو من جملة الأمراض التي تعتري هذا الجسد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء)، وأمرنا -صلى الله عليه وسلم- بالتداوي والأخذ بالأسباب، فقال: (تداووا عباد الله).
وجميل جدا أنك مدركة تمام الإدراك أنك تعانين من وسواس قهري، وأن هذه الأحوال التي تمرين بها ما هي إلا ثمرات لهذا الوسواس، فإدراكك لهذه الحقيقة، وجزمك بها، يسهل عليك - بإذن الله تعالى - التخلص من هذه الحال التي أنت فيها، وذلك بأن تسلكي سبيل العلاج، وأن تأخذي بالأسباب، ودواء هذه الحال مركب من أمرين: دواء روحي ومعنوي، قائم على وصايا نبوية، ينبغي لك أن تأخذي بها.
أول هذه الوصايا النبوية هو: تحقير هذه الوساوس، وعدم الاعتناء بها، واعتقاد أنه لا حقيقة لها تدعو إلى كل هذا الاعتناء بها، فإن الموت على سبيل المثال أمر قد كتبه الله تعالى على كل الخلق، فكل أحد سيموت في الأجل الذي كتبه الله تعالى عليه؛ فتخوفك من الموت على نفسك أو تخوفك من موت أقاربك وأحبائك أمر لا يحتاج منك إلى كل هذا العناء؛ فإن هذا التخوف لن يدفع الموت عن أحد، ولن يقدم الموت لأحد قبل حلول أجله.
فإذا تفكرت بهذه الطريقة من التفكير علمت أن كل هذه القضايا التي تخافين منها لا تستحق منك كل هذا الاهتمام، وتحقير الوساوس أهم سبب معين للتخلص منها والإعراض عنها، والرسول -صلى الله عليه وسلم- أوصى بهذه الوصية، وهي: الانتهاء عن الاسترسال والتفاعل مع الوساوس، فقال -عليه الصلاة والسلام- لمن أصيب بشيء من الوسوسة: (فليستعذ بالله ولينته)، فأمره بالانتهاء عن هذه الوساوس، أي عن الانتهاء عن التفاعل معها، والاسترسال معها، والتفكر في نتائجها وثمارها، والإجابة عن أسئلتها، ونحو ذلك من التفاعل مع الوسوسة؛ فإن التفاعل معها يثبتها ويقويها، والمطلوب من الإنسان أن يحقرها وأن يصرف ذهنه عن التفكير بها، وينتهي عنها كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم.
وأمره كذلك بأن يستعيذ بالله، أي أن يلجأ إلى الله -سبحانه وتعالى- ويكثر من الاستعاذة بالله ليحميه من شر هذه الوساوس، وأمره بأمر ثالث وهو: الإكثار من ذكر الله، فقال: (فليقل: آمنت بالله)، فذكر الله تعالى حصن يتحصن به الإنسان من الشيطان ومكايده.
فنصيحتنا لك أن تلتزمي هذه النصائح النبوية وتجاهدي نفسك على العمل بها والصبر عليها، وستجدين الثمرة عن قريب بإذن الله تعالى.
أما الجانب الثاني من العلاج فقائم على الدواء الحسي، وذلك بأن تستعيني بالأطباء، ولا سيما الماهرين منهم الحذاق في صناعتهم وعملهم، فحاولي الاستعانة بالأطباء، واعرضي نفسك عليهم؛ فإن هذا الجسد يعرض له ويصيبه أنواع من الاختلالات؛ فيكون بحاجة إلى تناول أدوية تعيد إليه اتزانه واعتداله، وهذا جزء من التداوي الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم.
هذه هي الطريقة - أيتها البنت الكريمة - إذا كنت فعلا تريدين التخلص من هذه الوساوس، فخذي بها، واستعيني بالله -سبحانه وتعالى- وأكثري من دعائه أن يريحك من شرها، وستجدين -بإذن الله تعالى- الثمار الطيبة، والنتائج الحسنة.
نسأل الله تعالى أن يصرف عنك كل مكروه.