السؤال
السلام عليكم
لدي عدم قدرة على التعبير فيما أريد قوله أو طرحه، فلا تحضرني الكلمات ولا التعابير، وهذا أثر على دراستي، فأي موضوع يطلب مني الكتابة فيه لا أجد إلا جملة أو جملتين، وبالمختصر المفيد وبطريقة غير مرضية، فتخرجت بصعوبة -رغم أني كنت من المتميزات في دراستي سابقا، إلا في المواد التي تتطلب التعبير، فلم يكن تأثيرها كبيرا على المجموع، لذا لم أعر الأمر اهتماما حينها؛ لأني لم أتخيل أن ذلك مؤشر على مشكلة ستؤثر على حياتي فيما بعد -.
الآن أنا أعاني كثيرا، فأنا لا أجد ما أقوله في اللقاءات الاجتماعية والمهنية، وأكتفي ببعض الأسئلة البديهية، كالسؤال عن الحال والطقس، وإن صادف أن الشخص اجتماعي ولا مشكلة لديه في خلق المواضيع أجدني عاجزة عن مجاراته في الحديث، ولا أجد التعابير المناسبة بسبب ضعف قدراتي العقلية ربما، ولا علم لي بما يتحدث عنه، بسبب أني أنسى كثيرا، فيموت الحديث من قبل أن يولد.
كان الأمر يبدو لي طبيعيا؛ لأني نشأت في الغربة في عائلة صامتة، الأم دوما مشغولة بأعمال البيت أو تبكي بسبب أبي، وأبي الذي أول ما يصل إلى البيت يلتزم غرفته، ولا يجب أن نحدث أي صوت حتى لا نزعجه، وكان يمنعنا من التواصل مع الآخرين لكوننا غرباء، حتى إخوتي لا نتحدث إلا نادرا، بل كانوا يتعجبون مني عندما كنت ألعب مع المخدات، وأحدثها كأنها أشخاص حقيقية.
لا أعرف الآن ما هو العلاج، فأنا أحس أني ضيعت سنين عمري دون تنمية اجتماعية -إن صح التعبير- أنا أنسى كثيرا، عاجزة عن التعبير، التركيز عندي ضعيف، وشديدة الحساسية والعصبية.
شكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مسلمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، وأسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.
أختي الفاضلة: ما تسألين عنه هو موضوع في غاية الأهمية، ولا بد من أن تكون الأسرة والمجتمع على قدر كبير من الوعي في التعامل معه، ومعالجته بوقت مبكر قبل أن يتطور إلى ما يعرف بـ "صعوبات في التعلم"، والتي ينتج عنها العديد من المشاكل الشخصية والمجتمعية، والتي كان يمكن تداركها بوعي تعامل الوالدين والمربين، قبل أن تتضاعف المشكلة.
أختي الفاضلة: قضية المهارات والقدرات مرتبطة ارتباطا كبيرا بالتنشئة الاجتماعية في الصغر، فالبيئة التي ينشأ فيها الطفل تؤثر بقوة على صياغة عقليته وقدراته، كما أن لها كذلك جانبا وراثيا في كثير من الأحيان، لكن سنتناول هنا الجانب الاجتماعي المهاري، الذي يتشارك فيه الجانب الوراثي في التأهيل والعلاج.
أختي الفاضلة: نبشرك و-الحمد لله- توجد الكثير من المهارات والتدريب، والنصائح التي يمكن أن تحسن مهاراتك الاجتماعية وقدراتك بشكل كبير، خصوصا مع الالتزام بها والاجتهاد في التدرب عليها وممارستها، فأساس علاج هذه المشكلة يحتاج لعامل الاجتهاد والصبر والمداومة، وكذلك عامل الإيمان العميق بضرورة التغيير وبناء النفس.
من المهارات المكتسبة التي ننصحك بها لعلاج هذه المشكلة، والتي أثبتت نتائج باهرة في معالجة أمثال ما تعانين منه، التالي:
أولا: إدمان مهارة القراءة، فللقراءة دور كبير في تنمية المفردات والقدرة على التحدث والكتابة، سواء للبحوث أو للمقالات أو لغيره، فالقراءة تعمل على إثراء الفكر بالمعلومات التي تدفع اللغة للتعبير عنها بسهولة، فالعجز عن التعبير سببه ليس عدم وجود المفردات، بل عدم وجود الفكرة والمعنى التي تحتاجين للتعبير عنه، والقراءة بشكل عام -والنقدية التحليلية بشكل خاص- تنمي هذه القدرة بشكل قوي جدا، وخلال فترة وجيزة ستلاحظين فرقا كبيرا.
لذلك ننصحك -أختي الفاضلة- بالتدرج في بناء عادة القراءة لديك، فابدئي باليسير وبالمحبب لديك من الكتب والمواضيع، ثم توسعي كل فترة وفترة، لتصلي إلى قراءة فصول وكتب، ثم قومي بتحليل وتلخيص ونقد الأفكار التي تقرئينها، وكتابة كل ذلك من خلال فهمك وتحليلك وإضافاتك وشرحك، سيعمل هذا على إثراء المفردات وغزارة الأفكار بشكل كبير .
ثانيا: التدريب والممارسة على الإلقاء والحوار والمناقشة، من المهم جدا التدريب والممارسة على تقديم الأفكار وترتيبها، سواء من خلال إلقاء الكلمات القصيرة، أو الدخول في حوارات، ويمكن أن يتم التدرب بشكل انفرادي في البداية، عبر طرح موضوع وتسجيله صوتيا أو مرئيا، ثم تقييم الذات، أو الدخول في لقاءات ثقافية مصغرة لدائرة المقربات من الصديقات والأهل، وتناول مواضيع يتم إعدادها بشكل مسبق لكل جزئية، فالإعداد والتدريب مهم جدا، خصوصا في البداية، فلا شك أن الشخص الذي لا يعرف شيئا عن الموضوع الذي سيطرحه، سيبدأ في التردد والخوف والقلق، ويعجز عن تقديم الأفكار والإبداع فيها، لذلك في البداية لا بد من التحضير والتدريب بشكل متكرر ومستمر.
ثالثا: تقييم الذات، وذلك لمعرفة نقاط القوة والضعف، فمن المهم جدا تقييم الذات، ومعرفة نقاط الضعف والتركيز عليها وتنميتها، ويمكن أن يتم هذا التقييم بطريقة ذاتية، كتسجيل وكتابة الملاحظات، أو عن طريق شخص متخصص يساعدك في تقييم تجاربك في الإلقاء، ويعطيك نصائح حول نقاط الضعف والقوة، وطرق التنمية والبناء.
رابعا: الثقة بالنفس: وهذه المهارة لا بد من التركيز عليها لأهميتها، فغالبا الشخص الذي عانى في الصغر من صعوبات في التعلم، يكون لديه عدم ثقة بنفسه وقدراته، خصوصا عندما يجتمع في نفس الشخص مع عدم الثقة بالنفس، شخصيته الحساسة -كما هو في حالتك- فعدم الثقة تدخل الشخص في عدم المبادرة خوفا من الخطأ، والشخصية الحساسة ترتعب من النقد، وتضخم نتائج الخطأ، وتسعى للكمال أو التوقف والترك.
هذه مشكلة، لأنها لن تجعل هذا الشخص يتعلم أو يتحسن، فقد تكون هذه الشخصية تمتلك قدرات ومواهب كثيرة وتستطيع أن تبدع، لكنها لا ترى نفسها إلا في نقص مستمر وخوف وخجل، وعلاج هذا- بإيجاز- يكون من خلال استعادة الثقة بالنفس، وإثبات قدرتها على النجاح والإنجاز، ومن وسائل ذلك إبراز النجاحات التي تمت في حياة الإنسان، واستحضارها ذهنيا وماديا عند أي مبادرة، حتى يزول الخوف.
لذلك عند المبادرة لأي عمل تذكري نجاحاتك وتفوقك، وأنك يوما ما كنت مبدعة ومتفوقة، ويمكن عرض شهادات التفوق والتميز، وكل شيء يدل على النجاح اجعليه بارزا للعين، وإذا حاول عقلك الباطن استحضار الفشل والخطأ والسقوط، فاستعيذي بالله وتشاغلي بأي شيء مفيد.
كذلك توعية الذات بأن الخطأ لا يعني الهزيمة أو النهاية، بل هو بداية التعلم والانطلاق بعد الاستفادة من التجارب، أيضا الدخول في تجارب صغيرة تثبتين فيها لنفسك نجاحاتك، ثم تتوسعين بالتجربة إلى أكبر منها، حتى تستعيد النفس الثقة.
خامسا: بناء العلاقة الروحية مع الله، لقوة العلاقة بالله دور كبير في تعزيز الثقة بالنفس، وذهاب الخوف والقلق، فكلما زاد الإنسان قربا من الله كلما استقر القلب وذهب عنه الخوف الاجتماعي والعجز، فلا بد من الاجتهاد في بناء هذه العلاقة بشكل قوي، من خلال الإكثار من أعمال القلوب، مثل الدعاء وذكر الله وقراءة القرآن، والإكثار من الأعمال الصالحة، والمبادرات الخيرية والتطوعية بشكل عام، والدخول في أنشطة اجتماعية، تساعدك في الخروج من عزلتك الاجتماعية، وتجعل الأخرين يشاهدون قدراتك وإبداعاتك.
أختي الفاضلة: يتأكد لي أنك مبدعة، وتمتلكين قدرات ومواهب، لكنك بحاجة إلى تدريب واكتشاف وتنمية هذه المواهب، فقد لاحظت حسن عرضك وشرحك للمشكلة، من خلال طرح سؤالك بطريقة مبدعة ومرتبة ومتناسقة، وهذا يؤكد ما ذكرته لك، أن عامل عدم الثقة بالنفس يخفي خلفه الكثير من القدرات، التي لا يستطيع صاحبها أن يراها، أو يخاف أن يراها الآخرون.
لذلك أنا على يقين -بعون الله- أنك قادرة على أن تتغلبي على هذه المشكلة إذا اجتهدت في تحقيق العلاج الذي ذكرنا، وقد مر بي العديد من الإخوة والأخوات الذين يشتكون من نتائج صعوبات التعلم في الصغر، وتم وصف هذا العلاج لهم، وكانت النتيجة باهرة حقا، فلا بد من إرادة التغيير والتحول إلى البناء، والاجتهاد في تربية النفس، والتوقف عن جلد الذات ولوم الزمن والأسرة والمجتمع، فلديك الكثير لتقديمه للأخرين.
أسأل الله أن يوفقك للخير، ويعينك على بناء نفسك.