السؤال
السلام عليكم..
منذ كان عمري 16 عاما وأنا أعاني من الوحدة، والحزن، نظرا لوضع أسري عشته، ولا زلت أعيشه، وهو الشجار الدائم بين أمي وأبي، هما أبوان صالحان والحمد لله، ولكنهما يعانيان من بعض المشاكل وهي: أن أمي عصبية، وأبي قليل الكلام معنا، ودائما مشغول.
ومع أن وضعنا المادي سيئ، فأبي يعمل ويرسل لأبناء أهله، وأمي أيضا دائما مهمومة بمشاكل أهلها التي ليس لها أي علاقة بهم، نحن انطوائيون جدا، إلى الآن وليس لدي صديقة تزورني وأزورها، أنا كئيبة جدا، ومنذ ذلك العمر وأنا أتمنى أن أضحك من أعماق قلبي، ولكن نفسي أصبحت تستلذ الحزن، والمشاكل، وأصبحت عصبية جدا، لا أتحمل أي غلط حتى أبدأ بالشجار، انطوائية لا أحد يحس بي، أحس كثيرا بعدم القيمة لي، لا أحس بطعم النجاح؛ لأني تعودت أن أدرس لوحدي، وكنت متفوقة، ولكن لا أجد من يقيمني.
في إحدى المرات تعمدت أن أحصل على مستوى متدن، ولكن لم يوبخني أحد، تمنيت لو يضربوني! أريد أن أحس بقيمتي صدقوني أنا الآن بلا طموح، بلا هدف، لا أستطيع تكوين صداقات مع الآخرين، مستواي الدراسي من سيء إلى أسوأ، أصبحت أكره الدراسة، وأتململ منها، وأصبحت كثيرة الرسوب، لا أحس بقيمتي، ومستقبلي، لا أجد من أشتكي إليه.
عندما أشكو لأهلي لا أجد الأذن الصاغية، والقلب الحاضر، فكل له همه، أصبحت أعيش في عالم الأحلام، لدي شخصيات من صنع خيالي، أتحدث إليها، أضحك معها، أسافر معها، أنسج قصصا، وكلها أحلام.
أنا قلقة على نفسي جدا؛ لأني أصبحت أعاني من القولون العصبي. أرجوكوم ساعدوني؟! وساعدوا أهلي؟! فالعصبية والصمت والكآبة والقلق أصبحت أشباحا في بيتنا.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ميسون حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يعافيكم جميعا من هذه الأمراض، وأن يمتعكم بالصحة والعافية والسعادة والمودة والتفاهم.
وبخصوص ما ورد برسالتك، فإنه ومما لا شك فيه أن التربية في الصغر لها بصماتها الواضحة على سلوك الأفراد، حتى لو تقدم بهم السن، وفي أحايين كثيرة يكون من الصعب على الإنسان التخلص من هذه الموروثات حسنة كانت أم سيئة، وهذه الموروثات هي التي تتحكم غالبا في أنماط سلوكنا، وتحدد مدى تقبلنا للآخرين.
ولقد ثبت علميا أن الأسرة السعيدة المتفاهمة عادة ما يخرج أبناؤها وهم أكثر حيوية وقدرة على التأقلم مع الواقع والانخراط في المجتمع وذلك بحكم نسيجهم الاجتماعي المتآلف الذي عاشوه داخل الأسرة، ولذلك من الصعب جدا الآن أن نقول لوالدتك: تخلي عن العصبية، أقول من الصعب وإن كان ليس مستحيلا، ولكن من يسمع؟
ومن الصعب كذلك أن نقول لوالدك نفس الشيء؛ لأن هذه الموروثات قد تأصلت في مكنون شخصياتهم، ولابد لنا كأبناء من تقبلهم على هذا الوضع مع إمكانية استغلال بعض الفرص والمناسبات لشرح مدى تأثير سلوكهم على أبنائهم ومطالبتهم ولو بشيء من التغيير البسيط، وهذا في الواقع ليس مستحيلا؛ لأن الإنسان وحده هو القادر على تغيير نفسه، كما قال الحق جل وعلا: (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم))[الرعد:11] وإذا لم يكن في مقدورهم ذلك فلا أقل من أن تبدئي أنت عملية تغيير نفسك وألا تستسلمي لهذا الواقع المؤلم، وهذا ما لابد لك منه؛ لأنه لا خيار أمامك إذا أردت أن تقدمي لهذه الأسرة أو لنفسك شيئا، لا تعالجي الخطأ بخطأ مثله.
إن استسلامك وعدم رغبتك في التغيير من أعظم الجرائم التي ترتكبيها في حق نفسك وحق الأسرة التي ستكونين عمودها الفقري مستقبلا، وسوف تحملين معك تلك الموروثات كما حملتها أمك تماما، ولذلك أنصحك بعدم الركون إلى هذا الواقع وعدم الاستسلام له، بل انهضي وبكل قواك وتحدي هذه الموروثات، وابحثي عن ذاتك وإنسانيتك، واستغلي ما وهبك الله من ذكاء وقدرات في تحسين وصفك، واجعلي على رأس اهتماماتك التفوق العلمي ما دامت لديك القدرة على ذلك، وصدقيني لن يجني ثمرة التفوق إلا أنت، ولن يدفع ثمن الفشل إلا أنت.
وإذا أردت أن تساعدي هذه الأسرة فعلا، فقاومي هذا الواقع وقفي شامخة أمام هذه التحديات، ولا تنتظري أي كلمة تشجيع أو إطراء من أي شخص؛ لأن الجميع كما ذكرت، قفي على قدميك وخذي قرار التحدي واجعلي على رأس أولوياتك التفوق ولا تلتفتي حولك أو وراءك، وإنما ركزي نظرك على المستقبل المشرق، فكري في أولادك وكيف يمكنك إنقاذهم من هذا الواقع المرير، فكري في نفسك وكيف يمكنك إسعادها، فكري في زوج المستقبل وكيف تجعلينه زوجا سعيدا حقا، كل ذلك بمقدورك وفي حدود طاقتك، أطردي هذه الهواجس، فلا اكتئاب ولا توتر ولا انهزامية، بل مسلمة قوية بالله حسنة الظن به، قوية الصلة به، متفوقة حتى تتمكني من إسعاد نفسها والآخرين معها، أهم شيء هو أنت، وأنت وحدك القادرة على ذلك بالدعاء، والأخذ بالأسباب، والرضا بهذا الواقع، وأنا واثق من أنك ستكونين رائعة.
وبالله التوفيق والسداد.