السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ابنتي عمرها ٣ سنوات ونصف، عندما تسمعني أقرأ القرآن تسألني عن معنى كل كلمة، وكل آية، لا أتمكن من الرد عليها بطريقة تناسب عمرها على كل الآيات، فهل تنصحونني بوسيلة أو طريقة معينة أشرح بها الآيات حتى لا يبنى عندها فهم خاطئ؟
خصوصا أنها تتمتع بذاكرة قوية جدا، ولا تنسى ما أقوله، فأخشى أن أقول معلومة بطريقة خاطئة ويترسخ عندها فهم خاطئ لكتاب الله.
كما أنها تسأل بعض الأسئلة الوجودية، مثل: أين الله؟ ولماذا هناك فقراء في العالم؟ وغيره؟
أشعر أنها أسئلة أكبر من سنها، ولا أعلم كيفية الرد عليها؛ أرجو منكم إرشادي عن طريقة معينة أو كتب أقرأها.
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، وأسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.
أختي الفاضلة: هنيئا لك هذا الحرص على التربية والتعليم، ونسأل الله أن يوفقك لهذا الخير ويعينك عليه.
اعلمي -أختي الفاضلة- أن السؤال إحدى أهم الوسائل التي يتلقى فيها الطفل المعلومات، ويشبع من خلالها فضوله للمعرفة وحب الاكتشاف، والطفل المتسائل هو في الحقيقة طفل واسع الخيال يوصف بالذكاء؛ لذلك لا ينبغي أن يمنع الأطفال من السؤال، أو ترهيبهم أو إيقافهم أو تجاهل الإجابة عليهم، أو الإجابة بطريقة غير مقنعة أو غير منطقية؛ فهذا يتسبب في بناء غير واع للطفل، كما يحدث ردة فعل سلبية تجاه محاولته للسؤال مرة أخرى.
لذلك لا بد من تأكيد الأساس الأول وهو ضرورة الإجابة عن أسئلة الأطفال، والإجابة بطريقة مقنعة ومؤثرة تستوعبها عقولهم قدر الإمكان.
الأساس الثاني -أختي الفاضلة-: يعتبر أهم دوافع أسئلة الطفل هو استثارة الواقع الذي يعيش فيه الطفل مع ما يملك من معرفة بسيطة، فيحاول الطفل فهم تلك المثيرات والربط بينها فلا يستطيع فيلجأ إلى السؤال، فالأساس الثاني معرفة سبب سؤال الطفل مهم جدا للإجابة، وهذا يفيدنا في الدخول مع الطفل في حوار عند طرحه للأسئلة؛ لقياس ما يملك من معلومات أولا، أو تصحيحها إن كانت خاطئة، وفي نفس الوقت تشجيع الطفل بالحوار والمناقشة، فعندما يطرح سؤالا -مثلا- عن الله فيمكن أن نبادر بسؤاله ماذا تعرف عن الله؟ ونبدأ بتصحيح تلك المفاهيم وتصويب ما فيها من صواب، وهذا يجعل الطفل يشعر بتحفيز وسعادة.
الأساس الثالث -أختي الفاضلة-: لا بد من مراعاة سن الطفل، والأجواء أو الأحداث التي تثير السؤال، فالسن يعطي مؤشرا للوالدين عن طبيعة هذا السؤال، من زاوية هل هو مجرد شعور بالفضول وحب الاكتشاف، أو هو تكرار لما يسمع من أقرانه أو عبر وسائل الإعلام المختلفة التي يطلع عليها، أم أن هذا السؤال في سن يترتب عليه بناء اعتقادي وإيماني وهكذا؟
فالطفل -أختي الفاضلة- في سن الثالثة غالبا يكون السؤال مجرد رغبة في الاكتشاف وإشباع الفضول، ولكن هذا لا يعني أن تكون الإجابة غير صحيحة أو غير مقنعة أو يتم تجاهلها، ففي كلتا الحالتين لا بد أن تكون الإجابة مقنعة ومؤثرة وصحيحة، ولكن في حالة تجاوز الطفل سن الثالثة أو السادسة يمكن رفع سقف الإجابة، لتحتوي على الأدلة والبراهين التي يستطيع عقل الطفل استيعابها، أما في سن الثالثة فالطفل يحتاج لاستخدام أسلوب أكثر إقناعا يتناسب مع سنه.
ومن أفضل الأساليب التي تؤثر في الطفل وتثير عقله في هذا السن، هو أسلوب المقارنة والتمثيل والتشبيه بما يفهمه من واقعه، وفيه يتم ربط أي معلومة بمثال أو تشبيه أو مقارنة بشيء يألفه ويفهمه الطفل، كمثل تشبيه الشيء الكبير بكبر السماء، أو الشيء الصغير بصغر النملة وهكذا، كذلك أسلوب القصص؛ فيمكن صياغة الفكرة على شكل قصة يستطيع فهمها، كذلك يمكن الإجابة على الطفل بمعاني الآيات من التفاسير المبسطة، كتفسير السعدي، وتفسير الجلالين، وأيسر التفاسير ونحوه، مستخدمة أسلوب الارتباط بالأمثلة والتشبيه والتمثيل المبسط.
أختي الفاضة: الأسئلة الوجودية كسؤال أين الله؟ ومن الله؟ ونحوها.. هي أسئلة غالبا في هذا السن تكون أسئلة استكشافية لا ينبني عليها اعتقاد أو إيمان، ومع ذلك لا بد من الإجابة بنفس الطريقة التي تحدثنا عنها، لكن يسبق ذلك مرحلة تأسيسية مهمة لا بد على الوالدين من تأسيس أصول وأولويات العقيدة في قلب الطفل، وهذا التأسيس يجيب على الكثير من أسئلة الطفل، وأهم تلك الأسس هو معرفة التوحيد، مثل: أن الله ليس كمثله شيء، الله في السماء، الله حي قيوم لا ينام ولا يحتاج لخلقه إلخ، كذلك من أفضل ما يؤسس عقيدة الطفل هو حفظ وشرح سورة الإخلاص؛ لأنها تعريف من الله؟ وكذلك معرفة أسس السيرة النبوية بطريقة قصصية مبسطة، وإذا تم تأسيس هذه المعلومات فإن الطفل يبني عليها معارفه المستقبلية.
أختي الفاضلة: من أنفع الوسائل لإيصال المعلومات للطفل في هذا السن، هو الأسلوب الذي يعتمد جذب الانتباه، ففي هذه الفترة يرتفع وعي أساليب الحركة والعاطفة أكثر من وعي أساليب العقل، وهذا يجعل أساليب التربية عبر الحركة، كالرسوم المتحركة أو الدمى والألعاب من أفضل الأساليب للتعلم، فيمكن استخدام أسلوب الدمى وتقديم الأفكار وإيصالها لعقل الطفل، عبر مشاهد حوارية بين دميتين مثلا، وهذا يجمع بين أسلوب الحركة وأسلوب القصة التي يحبها الطفل، كذلك استخدام قصة ما قبل النوم، أو الرسوم المتحركة التربوية المفيدة التي تعلم الأخلاق واللغة العربية للطفل؛ فالطفل في هذه الفترة يقلد كل شيء، ويحاول فهم كل شيء.
أخيرا أختي الفاضلة: السؤال هو أهم الوسائل التي جعلها الله لبناء وعي الطفل، وبإغلاق باب السؤال إما: بالصراخ، أو الرفض، أو الإسكات يسبب إغلاق باب التعلم والمعرفة لدى الطفل، ويصبح لديه الاستعداد للكثير من الانحرافات الشخصية، وربما يواجه صعوبات في التعلم في المستقبل.
من الجيد جدا لتربية الطفل أن يراك وأنت تصلين وتقرئين القرآن، وتبادرين إلى أعمال البر والصدقة؛ فالوالدان يشكلان القدوة للطفل، وهذا يساهم في تعلم الطفل الكثير من المعارف، واكتسابه الكثير من المهارات.
نسأل الله أن ييسر أمرك، ويعينك على حسن التربية.