السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحياتي الخاصة إلى الدكتور/ محمد عبدالعليم.
مشكلتي تتمحور حول الخوف: ذات يوم دخلت إلى أحد برامج التواصل الاجتماعي فوجدت شخصا يشتم بلدي فلم أرض بذلك، فرددت عليه، وقام هو بالرد علي، وتطور الأمر إلى الشتم والقذف وخلافه، وفي منتصف النقاش باغتني شعور الخوف، ورعشة في اليدين، وتطاير في الأفكار، والرغبة في البكاء، فقمت بعمل حظر له، ولكن في نفس الوقت هاجمتني الأفكار ووصفتني بالخوف والجبن، ففتحت الحظر، وعدنا إلى نفس القضية حتى سكت هو، ولكن الخوف والذعر استمر معي فترة تقدر بأسبوعين، وبعدها بفترة وجدت شخصين آخرين يشتمان بلدي أيضا، فرددت عليهما وردا علي حتى قام أحدهما بحظري والآخر انسحب، فشعرت بارتياح ولكن سرعان ما ظهر شخص ثالث وعاد لي نفس شعور الخوف والقهر وترقب الرد منه، وإذا خرجت من المنزل انقطع الإنترنت فأشعر بالضيق، وإذا استيقظت من النوم أول شيء أفعله فتح الهاتف والبحث عن الردود، فعقلي مشغول بالتفكير، وأشعر بالذل والهوان.
قررت أن أقفل حسابي، وأتجنب هذه الأمور، ولكن المصيبة أن الخوف مستمر، وأشعر أنني جبان، ولم أستطع الدفاع عن بلدي، وأصبحت شبه منعزل، وكلما رأيت شخصا من نفس هذه الجنسية يتجدد الشعور عندي رغم أني أعلم تماما أن الناس ليسوا سواء، وأن هؤلاء ليس لهم علاقة، أحاول مساعدة نفسي وتشجيعها ودفعها للأمام وإخبارها أنه لا داعي للخوف، وأن من خلف الشاشة بشر مثلي، وأنني سأنتصر في النقاش بالفعل، ولكن لا فائدة! الخوف والشعور بالذل مستمر، وخصوصا أنني أخاف من بشر مثلي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في موقع استشارات إسلام ويب.
أنت تتحدث عن الخوف الذي أصابك بعدما أجريته من حوار ونقاش على أحد برامج التواصل الاجتماعي مع شخص ثم شخصين ثم شخص ثالث أساؤوا إلى بلادك، وهذا الأمر طبعا قد حز في نفسك ولم يكن مقبولا، وأصبحت تنتابك بعض أعراض الخوف، وأصبح الموضوع شاغلا لك على مستوى التفكير، مع شعور بالذل والهوان كما وصفت.
الأمر لم يصل لهذه الدرجة، تعرف أن برامج التواصل الاجتماعي هذه لا تنقل الحياة على حقيقتها، فليس هنالك المنطق الكامل والمتكامل في كل ما يقال، فيجب أن تحقر مثل هذه الأحداث ومثل هذه النقاشات، وأنصحك ألا تدخل فيها؛ لأن هذه مواضيع عامة ومواضيع كبيرة، وأنها لا تخضع للمنطق كثيرا.
فأولا: نوعية النقاش نفسه وموضوع النقاش؛ قطعا أمر لا أقول لك غير مجدي، لكن في ذات الوقت لا نهاية له، أخذ ورد، ثم أخذ ورد، وهكذا؛ لأن الموضوع موضوع شائك وزواياه كثيرة ومحتوياته متعددة جدا. فلا تدخل في مثل هذا النوع من الحوارات، ليس الموضوع موضوع دفاع عن بلدك، أو يكون لك القدرة على الحوار وإخضاع الأمور للمنطق، لكن ليس في مثل هذه المواضيع.
والأمر الآخر: ربما يكون في الأصل لديك شيء من الخوف التوقعي والقلق التوقعي، وأنت تكون مهموما حقيقة -كما تفضلت- حين يكون هناك أمر شاغل بالنسبة لك، وأنا أؤكد لك أنك لست جبانا، وليست الشجاعة والقوة والقدرة في الصرعة، هذه لا تقاس بمثل هذه المواقف، (إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)، فأرجو أن تصحح مفاهيمك حول ذاتك، وأن تشغل نفسك بمواضيع أكثر أهمية، وليس هنالك ما يمنع أن تحاور الحوارات الهادفة والجيدة والمفيدة والمباشرة، هذا أفضل لك وأجدى لك من جميع النواحي.
وطبعا سيكون من الجميل والمفيد لك أن تكثر من القراءة، خاصة في المواد المفيدة؛ لأن القراءة تعطي الإنسان ثقة أكثر في نفسه، حيث إن رصيد الإنسان من المعرفة والمعلومات حين يرتفع يجعله يثق في نفسه كثيرا.
وأنا أنصحك أيضا: بأن تكثر من التواصل الاجتماعي، هذا النوع من المخاوف قد يندرج تحت الخوف الاجتماعي أيضا، وإن كان هو ذا طابع خاص، فعليك إذا بالإكثار من التفاعلات الاجتماعية، واحرص على الواجبات الاجتماعية، لا تتخلف عن المناسبات أبدا، لب دعوات الأفراح، وقم بواجبات العزاء، قم بزيارة المرضى وصلة الرحم، الترفيه عن نفسك مع مجموعة من الشباب بما هو طيب وجميل، ممارسة الرياضة الجماعية مثل كرة القدم، الانضمام لحلقات القرآن، والحرص على الصلاة مع الجماعة؛ هذه حقيقة كلها تجعل الإنسان يؤهل نفسه اجتماعيا ونفسيا ووجدانيا وحتى فكريا.
هذه هي السبل التي تجعلك تتخلص من مثل هذه المشاعر السلبية في المواقف الاجتماعية. وطبعا بعد أن تخرجت من الجامعة لا بد أن تدخل في ميدان العمل، وإن فكرت أيضا في دراسات عليا فهذا أمر جيد، لا بد للإنسان أن يعيش قوة الحاضر ويسعى لأن يكون مستقبله مستقبلا طيبا ومشرقا.
إذا من وجهة نظري هذه التفاعلات تفاعلات ظرفية، بمعنى أنها مرتبطة بلحظتها ووقتها وظرفها، والظروف التي حدثت فيها، ويجب ألا تشغل نفسك بها، لذلك لا أعتقد أنك في حاجة لأي علاج دوائي.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.