السؤال
السلام عليكم.
أنا يتيمة الأبوين، أعيش مع جدي وجدتي، وعمري 33 سنة، لم أتزوج بعد؛ لكون كل من تقدم لي لم تكتمل الأمور معهم، رغم وجود توافق بيننا، والسبب الله أعلم به. مؤخرا تقدم لي شخص ارتحت له، رغم أني رأيت منه بعض العيوب البسيطة، ولكن الكمال لله تعالى، وهو أصغر مني بسنتين، وحاليا يعمل عملا بسيطا، وراتبي ضعف راتبه، ولدي تخوف من أن أحمل على عاتقي جميع المسؤوليات.
تناقشنا في الأمر مرارا، وهو يقول: إنه لن يحمل نفسه أكبر من طاقته، وأن الأرزاق بيد الله، وأنه سيحاول عمل مشروع لتحسين دخله، وهذا يتوقف على مساعدتي له.
أنا حائرة؛ لأني أخاف من أن يتعود على مساعدتي له فتصبح فرضا علي، وقد أخبرني ذات مرة أنه يريد العيش مع أمه مستقبلا، رغم أن زوجها ما يزال على قيد الحياة، وأخبرني أنها ستكون لي عونا على أطفالي، وأن هذا أفضل من وضع الأطفال في الحضانة، ولكني أفضل الاستقلالية؛ لأنها تمنح نوعا من الحرية في العيش، وستجنبني كثيرا من المشاكل مع عائلته.
أرجو أن تمدوني بالنصح؛ فأنا حائرة في أمري.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك –بنتنا الفاضلة– في الموقع، ونشكر لك هذا التواصل، ونسأل الله أن يرحم والديك، وأن يرحم أمواتنا وأموات المسلمين.
نحب أن نؤكد لك أن الفتاة هي صاحبة القرار، وأن النظرة للخاطب المتقدم ينبغي أن تكون شاملة، فيجب أن ننظر أولا إلى دينه وخلقه، فإذا تجاوزنا هذا، فينبغي أن ننظر إلى حياته بطريقة شاملة؛ لأن الفتاة قد يصعب عليها أن تجد شابا بلا نقائص ولا عيوب، كما أن الشاب قد يصعب عليه أن يجد فتاة بلا نقائص ولا عيوب، فنحن بشر، والنقص يطاردنا.
إذا كان هذا الشخص قد حصل بينك وبينه توافق، وانجذاب، وميل مشترك، وانشراح، فأرجو ألا تنظري إلى الجانب المادي بهذا التركيز، والزواج نفسه مدخل للرزق، قال العظيم سبحانه: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} [النور: 32] يغنهم الله؛ لأن الشاب بعد زواجه يعرف قيمة الدراهم، ويعرف أهمية تنميتها، ويشعر بأنه بحاجة إلى عمل إضافي، ويبذل المزيد من الأسباب، وكل هذا سيكون سببا لتوسيع أبواب الرزق عليه.
وعليه: فأنت صاحبة القرار، ولكن نحن نرى أن راتبك الزائد أنت من حقك أن تصرفيه أو لا تصرفيه، لكن من حسن العشرة أن تعين الزوجة زوجها إذا كان عنده ضعف في الناحية المالية، وهذا ليس واجبا عليها، لكنه لون من ألوان حسن المعاشرة للزوج.
لذلك ينبغي أن ننظر في المتقدم إلى دينه وأخلاقه؛ فإذا كان في الدين والأخلاق جمال، فينبغي الظفر به، والحرص عليه، وكما قال الشاعر:
وكـل كسـر فإن الديـن يجبره ... ومـا لكسـر قنـاة الديـن جبـران
فنسأل الله أن يعينك على حسن الاختيار، وندعوك إلى أن تستخيري؛ والاستخارة هي طلب الدلالة على الخير ممن بيده الخير، ولأهميتها فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلمها لأصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن.
الأمر الثاني: أرجو أن تجدي في الأخوال والأعمام –المحارم يعني– من يكون له رأي، ومن يبحث، ويسأل عن هذا الشاب، وإذا تأكد أنه على صلاح، وخير، وتحمل للمسؤوليات، فأرجو ألا تترددي في القبول به.
الأمر الثالث: مسألة وجوده مع الوالدة، يا ترى هل هو وحيد الوالدة، أم عندها آخر؟ فنحن بلا شك نفضل أن تكون هناك حياة مستقلة، لكن بعض الأسر قد تكون مصرة على وجود الأم مع ابنها وزوجته لكونه الولد الوحيد، ولكونه الولد المفيد، والفتاة الصالحة -مثلك- تستطيع أن تنجح في كل الأحوال، فإذا تهيأ لها بيت وحدها سعدت، وهذا هو الأصل، وإن كان الأمر يقتضي غير هذا، أيضا سعدت مع تلك الأسرة، وأشعرتهم أنها إضافة لهم، وأنها بنت مضافة للأسرة، وليست متطفلة تريد أن تأخذ ولدهم منهم.
لذلك أرجو ألا يكون هذا أيضا من أسباب تعطيل هذا المشروع، وخاصة وقد تردد من يطرق الباب ثم ينصرف، وهذا ليس في مصلحتك، فنقول: إذا كان قد حصل التوافق، والميل، والرضا بدينه والأمور الأساسية، فتجاوزي عن الأمور التي أشرت إليها، ونسأل الله أن يفتح عليه أبواب الرزق، وأن يوسع لكم في رزقكم، وأن يقدر لكم الخير ثم يرضيكم به.