اكتئاب وحزن وقلق من الحاضر والمستقبل..فما النصيحة؟

0 30

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعاني منذ 12 سنة من الاكتئاب، وراجعت أكثر من مختص، وتناولت الكثير من العلاجات، وآخرها الزولوفت 100، وقد توقفت عن تناول الزولوفت منذ سنة تقريبا، الآن أمر بحالة صعبة من الحزن الشديد، وعدم الاهتمام بأي شيء، وفقدان تام للمشاعر، والضياع والأفكار المحبطة والسوداوية.

أشعر أن وجودي بالحياة كأنه عدم، وغير منتج، وبعض الأحيان تراودني أفكار الانتحار، ولكن لا أستجيب لها، وأغادرها سريعا، ولكن أتمنى الموت، وأدعو على نفسي أن يقبضني الله تعالى، كي أتخلص مما أنا فيه.

لقد تعبت ولا طاقة لي على الاستمرار، وغيرها من المعاناة التي تعاش ولا توصف، وعندي قلق من الحاضر وقلق من المستقبل، وأيامي تتصرم أمام عيني، وأنا عاجز عن عمل أي شيء، أو تطوير ذاتي أو تطوير اقتصادي، وملتزم بالدوام الرسمي، ولكن أجبر نفسي عليه ولا أحبه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

من الواضح أنك -بفضل الله تعالى- مدرك لطبيعة معاناتك النفسية، وأعتقد أنك قد نقلت الصورة الذهنية وما يتعلق بمشاعرك، بصورة واضحة وأمينة جدا.

أخي: لا بد أن نغلب الأمل والرجاء على الكدر والتشاؤم، هذا مهم جدا، الله تعالى خلق الكون في ثنائية، كل الأشياء السلبية تجد هنالك ما يقابلها من أشياء إيجابية، على مستوى الأفكار، وعلى مستوى المشاعر، وعلى مستوى الأفعال.

أخي الكريم: هنالك نظرية للاكتئاب، وأنا أعتقد أن من أفضل النظريات نظرية أتى بها أحد العلماء النفسيين، واسمه (آرون بك) ونظريته هذه تقول: إن معظم حالات الاكتئاب هي ليست ناشئة من اضطراب المزاج، إنما ناتجة من اضطراب الأفكار، بمعنى أن الأفكار السلبية تهيمن على الإنسان أولا، ثم تجعل مزاجه مكتئبا، لذا - يا أخي - لا بد أن نغير من أفكارنا.

أخي الكريم: أنت الآن -الحمد لله- تذهب إلى العمل، هذا أمر عظيم جدا، أنت رجل تجاهد وتكافح، وتعمل ضد مشاعرك وضد أفكارك من خلال الذهاب إلى العمل.

هنالك - يا أخي - مثلث سلوكي معروف، وهو أن الإنسان عبارة عن أفكار، ومشاعر، وأفعال، كما ذكرت لك من الناحية العلاجية يجب أن نسعى لتغيير الأفكار، كل فكر سلبي يقابله فكر إيجابي، الشر يقابله الخير، الموت يقابله الحياة، المرض يقابله الصحة، وهكذا...الخ، فالإنسان يعزز الفكر الإيجابي، وهذا ليس خداعا للنفس.

المشاعر أيضا نتعامل معها على نفس الكيفية، ويأتي بعد ذلك ضلع الأفعال، وهو المهم، قد لا نستطيع أن نغير أفكارنا، قد لا نستطيع أن نغير مشاعرنا، لكن حين نلتزم بأن نكون فعالين؛ هذا قطعا سيعود عليك بخير كثير فيما يتعلق بطريقة التفكير، وكذلك المشاعر.

أخي الكريم: احرص على عملك، والتزم به، واحمد الله على هذا، وحاول أن تستمتع بالعمل، وبعد ذلك - يا أخي - هناك أشياء بسيطة جدا في حياتك لو قمت بها سترتاح كثيرا، مثلا تلجأ للنوم الليلي المبكر، تتجنب السهر، تصلي الصلاة على وقتها مع الجماعة، تقوم برياضة يسيرة، حتى ولو المشي ربع ساعة أو نصف ساعة أو ما تستطيعه، تقوم بزيارة أرحامك مثلا من وقت لآخر، وأصدقائك، وتزور المرضى، تقدم واجبات العزاء، وتشارك في الأفراح.

ما أجمل - يا أخي - الحياة حين يفرض الإنسان على ذاته هذه التغيرات العظيمة، والله تعالى حبانا - يا أخي علي - بأشياء عظيمة وجميلة، نستطيع أن نتغير من خلالها، حبانا بالمهارات، وحبانا بالفكر، الإنسان قد أكرمه الله تعالى، وقال: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، فالتغيير ممكن جدا -أخي الكريم-.

أخي الكريم: لا تتمن الموت، الإنسان لا يتمنى الموت، ولا يتمنى مقابلة العدو، والله رحيم بنا - يا أخي - الله لطيف بعباده، والأمور تتغير تماما نحو ما هو إيجابي، ولا تفكر في الماضي، لا تقل إن الاكتئاب قد أطبق عليك لمدة 12 سنة، لا، المهم هو الآن وقوة الآن، تستفيد من الآن؛ لأن الآن نستطيع أن نتحكم فيه، نستطيع أن نطوره.

أخي: الآن هو ماضي المستقبل، حين يكون الحاضر قويا - فالآن قوي - قطعا بعون الله تعالى، أيضا المستقبل سيكون إيجابيا.

تواصل مع أصدقائك، وقطعا لديك الأسرة، فكن معهم، وكن شخصا مفيدا لنفسك ولغيرك.

بالنسبة للعلاج الدوائي: أنا أعتقد أن الدواء مفيد ويساعدك كثيرا، يمكن مثلا أن تنتقل لدواء آخر غير (الزولفت Zoloft)، الزولفت بالرغم أنه رائع لكن الـ (إفيكسور Effexor) قد يكون أفضل، إذا لم تتناوله فيما مضى يمكن أن تتناول الإفيكسور - والذي يعرف باسم فينلافاكسين Venlafaxine - وأريدك أن تستشير طبيبك في هذا السياق، وإذا وافق الطبيب على هذه الخطة فإن شاء الله تنتفع منه كثيرا، وإذا لم يكن نومك جيدا يمكن أن تدعم الإفيكسور بجرعة صغيرة من عقار (سيوركويل Seroquel) والذي يعرف علميا باسم (كويتيابين Quetiapine) حيث إنه أيضا دواء يعمل بصورة تضافرية جدا مع الفينلافاكسين، ويحسن من فعاليته.

أرجو أن تعيش على الأمل والرجاء، وتطبق ما ذكرته لك - أخي الكريم - وليس لدي أي مانع أن تتواصل معي مستقبلا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات